بقلم: سوسن شمعون
لا أنطق صرخة يأس إن بدأتُ بهذه العبارة إنما كل ما في الأمر أنها نظرةٌ موضوعية للأزمات العربية على العموم، فالقاصي والداني بات يعلم ويدرك معنى الفوضى التي تعيشها دولٌ عانت من انعكاسات أحداث الربيع العربي من بداية نشوئه إلى الآن وإلى ما بعد سنوات، وماذا بعد؟ سؤال يطرح نفسه بقوة بعد أن تشرذمت المجتمعات و تفككت الأسر و تشردت العائلات نتيجة ما حدث و يحدث , ماذا بعد انتهاء الازمات الأساسية و توالد أزمات حديثة منبثقة عنها تكرس لنتائج ما كان قبلها , نحن نرى جيداً ما آلت إليه تلك المجتمعات جراء الاقتتال الداخلي فيها في السنوات الأخيرة فهناك بلد مقسّم إلى قبائل تتصارع فيما بينها كأنها في عصر الجاهلية , و بلد آخر يعيش الانسلاخ عن حضارته القديمة و دينه و انتماءه و تراثه و يبتغي بذلك الرقي والتحضر على حد فهمه المضمحل , و كذلك نرى بلداً ثالثاً كأن العالم أجمع حوله لسوق نخاسة يأخذ أبناءه و نفطه و يقسّمه إلى أجزاء كأنه قطعة حلوى , و بلد آخر رفض الهزيمة و استطاع و إن بشكل جزئي أن يستمر في الصمود العسكري و الإعلامي لكن بالتالي كان ثمن ذلك باهظاً للغاية , إن ما يجمع بين هذه البلدان ليست الثورات فحسب و إنما ما أحدثته من تشرد و تشتت و هجرات اضطرارية و فقر مدقع لبعض أفراد شعوبها , و بالمقابل نرى أفراداً آخرين من هذه الشعوب يستغلون و يمتلكون ما لم يكونوا يوماً يحلمون به طبعاً بالسرقة و السلب و النصب, و بفضل هذه الأزمات عرفنا أكثر معنى الاحتكار و المكائد و الاحتيال , تعرفنا أكثر على بشاعة وسفاهة تفكير الذين كانوا يتشدقون بالوطنية أو بالتدين , عانينا من أهل بلدنا أكثر مما عانيناه من الغرب وكذلك لم يكن للأغراب حجة علينا إلا أننا نستحق ما يحدث لنا و ما يظهره بعضنا لبعض من عداوة و بغضاء فعاملونا بالمثل , لم يكن للفساد الأخلاقي ميدان يخوض فيه معاركه ضد الشرف و الضمير أوسع من ميادين وطننا العربي الشاسع الأرجاء الفقير القيم والالتزام , لم نتخيل يوماً أن أبواق الإعلام التي كانت تصدح في كل مناسبة وطنية و كل مذبحة في فلسطين و كل استفزاز من الصهاينة للعرب و المسلمين أن تخرس تلك الأبواق عندما يتعلق الأمر بشعوبها أو بالأحرى و كما في الأحوال العادية الماضية كانت تلك الأبواق تنعق كأداة تنويم مغناطيسي لتسلك الشعوب المنومة الطريق التي رُسمت لها من قبل أو ليبرمجوا تفكير العوام بما يناسب توجهاً معيناً يرمي لمقصد محدد , لنكف عن تلك الشعارات العاطفية و العبارات الخرافية و القصص الأسطورية , لنتوقف عن إلقاء الخطب العصماء و الصماء و التي لا يعي أصحابها ما يحدث في الخفاء , فذلك يذهب بعقول الناس و يزيد التأزم و الشرخ بين الوطن و أبناءه على مختلف مشاربهم و عقائدهم , لنقُل الحقيقة كما هي , نحن الناس العاديون تتحكم بنا الكلمة أكثر من الفعل و هذا ما أدى إلى تلك الحالة من عدم التجاوب بين طبقات المجتمع الواحد حتى قبل ظهور مهزلة الربيع العربي , إن لم نتوقف عن إصدار و تكرار العبارات الجوفاء التي اعتقدنا نحن و من قبلنا أنها من المسلّمات فإننا بلا ريب نحن و الأجيال الآتية بعدنا سنهوي إلى قاع الجهل و التخلف و التبعية و إلى مؤخرة التاريخ و ليس مقدمته , لم ينهض بلدٌ في العالم على مر العصور و يصنع حضارته إلا عندما آمن أهله بمقدراتهم و ببعضهم و وضعوا مصلحة وطنهم فوق كل اعتبار , أما نحن فأزماتنا طالت و تجذرت عندما اكتفينا بالتغني بأمجاد أجدادنا و لم نصنع مجد وطننا بحق , و كذلك عندما كنا نكرر بشكل ببغائي تلك الهتافات الرنانة دون أن نعيها أو نؤمن بها , كل ما فعلناه أننا رأينا أن الفرصة مواتية للانتقام من بعضنا و لممارسة أعتى أساليب التسلط و التجبر و الهيمنة و فرض الرأي بالقوة و السعي الماكر لنيل السؤدد و المناصب و الألقاب اللامعة و نسينا أو تناسينا أن هذا الوطن بحضارته و تاريخه و مستقبله للجميع و بالجميع ينهض أو بالجميع يسقط و يندثر و يندثرون معه سواء من أحبه أو كرهه من أبناءه أو الواقفين على الحياد في نظرة لا مبالية.