بقلم: سوسن شمعون
كان يعيش اضطراباً في عواطفه و سلوكه نتيجة ما لقيه في عمره المنصرم و قد بلغ الأربعين و لم يفلح في زواج و تكوين أسرة ، هو قدر الله على أي حال ، هذا ما أقنع نفسه به، و استمر بحياته الرتيبة في عمله بإحدى المؤسسات كمشرف عمال ، كان كثير الكبت و الغموض و كذلك كثير الملاحظات و الانتقادات لمرؤوسيه ، لم يستطع لجم غضبه عن أي شيء يراه خطأً لكنه بالتالي كان ينتقد بقسوة و فظاظة فينقم عماله عليه لأسلوبه اللئيم و خبثه في بعض الأوقات برفع تقارير عنهم للإدارة العليا ، هو مع الوقت و نتيجة حرمانه لحياته الاجتماعية التزم بما يعتقده رصانة و حكمة فأضاع الكثير من البهجة و لحظات الفرح العابرة في حياته فتحول إلى صنم متحرك بلا مشاعر ولا أحاسيس ، يرمي الكلام جزافاً ولا يبالي بما يسببه من ألم في نفوس الناس ، و هبت رياح الحرب في بلاده و أصابت منه ما أصابت فهُدم بيته و أصبح يلجأ لأماكن مختلفة كل حين خائفاً ضائعاً لا يعرف مصيره ، غاب وقتها عن عمله لمدة وحين عاد بعد استقرار أموره نسبياً رحّب به رفاقه في العمل لكن بعد فترة تناهى إلى سمعه أن بعض مرؤوسيه كانوا من الشامتين في مصابه لكثرة ضغينتهم عليه ، ولأن الطبع غلب التطبع بادلهم حقداً بحقد و لؤماً بلؤم ، و رغم أنه كان كثير الصلاة و الابتهال لكن علاقته بالناس كانت قائمة على مبدأ أنه معلم أمام طلابه الصغار يصرخ فيهم و ينتقدهم طوال الوقت دون أن يُكلِّف نفسه عناء تفهمهم ولو قليلاً ، أو يفهم أن الله خلقهم مختلفين وليسوا على نفس شاكلته ، هذا التعيس الفظ لم يستطع أن يدرك قيمة الحياة و معانيها العميقة و ظن أن الدين هو العبادات الشعائرية فقط دون أن ينتبه لعبادته التعاملية مع من حوله ، و مات قلبه و إحساسه بالآخرين نتيجة تعجرفه و ظنه أنه يُصلح العالم بتصرفاته الفجة و طريقته الجلفة ، و انهار فجأةً و لم يرَ حوله إلا من يجاملونه لمآرب في أنفسهم و شعر أنه منبوذ ممن أعتقد يوماً أنه يهديهم ويرشدهم ، و لم ينفعه تبجحه أمام الجميع كناصح و مرشد لفقده السيطرة على لسانه فاتخذ التنفير و التقريع و لم يفهم قوله تعالى : ادع إلى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة و جادلهم بالتي هي أحسن -صدق الله العظيم ، لكن صاحبنا جادل من حوله بالتي هي ألعن فنفر الناس عنه بالتدريج و اعتبروه ذو كفاءةٍ علمية عالية فقط و كأنه آلة بشرية تتقن عملها إلا أنها آلة دون مشاعر ولا قلب يستوعب الآخرين و يحتويهم. وأنتم أيها السادة ، هل كنتم في مواقع عملكم و مراكز مسؤولياتكم آلات أم آباء ؟؟