بقلم: د. حسين عبد البصير
مدير متحف الآثار والمشرف على مركز د. زاهي حواس للمصريات-مكتبة الإسكندرية
متحف الحضارة
يقع المتحف في مدينة الفسطاط بالقاهرة على مساحة 33 فدانًا. ويستوعب المتحف خمسين ألف قطعة أثرية تحكي مراحل تطور الحضارة المصرية بالإضافة إلى عرض لإنجازات الإنسان المصري في مجالات الحياة المختلفة منذ فجر التاريخ إلى وقتنا الحاضر. ويحتوي المتحف على رؤية حضارية بانورامية تمثل حضارات مصر عبر العصور من خلال عرضقطع أثرية ونماذج وصور فوتوغرافية ومخطوطات ولوحات وتحف فنية وآثار من عصور ما قبل التاريخ والحضارات المصرية القديمة واليونانية-الرومانية والقبطية والبيرنظية والإسلامية والعصر الحديث والتراث الشعبي والفني والمعماري والنوبي. ويطل موقع المتحف على بحيرة طبيعية وهي بحيرة عين الصيرة. وتعود فكرة إنشاء المتحف القومي للحضارة المصرية إلى عام 1982 ميلادية عندما قامت منظمة اليونسكو بالإعلان عن حملة دولية لإنشاء المتحف القومي للحضارة ومتحف النوبة بأسوان. وفي عام 1999 ميلادية، تم اختيار الموقع الحالي للمتحف بالفسطاط بدلاً من موقعه السابق بالجزيرة. وتم عمل الحفائر الأثرية بموقع المتحف في الفترة. وتم وضع حجر الأساس لمبنى المتحف في عام 2002 ميلادية. وتبلغ مساحة المباني بالمتحف حوالي 130 ألف متر مربع. ويضم مجموعة من المخازن والمعامل لحفظ ولصيانة الآثار. وهي مجهزة بأحدث الأجهزة والوسائلالعالمية.وفي يوم السبت 3 أبريل 2021، قام فخامة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي بافتتاح المعرض الرئيس الدائم أو قاعة العرض المركزي بالمتحف،وتعرض أهم إنجازات الحضارة المصرية.وكذلك تم افتتاح قاعة المومياوات الملكية للجمهور في يوم الأحد 18 أبريل 2021.وتعرض مقتنيات المتحف في تسع قاعات بالمتحف والتي ما تزال سبعة منها تحت الإعداد، منها ستة معارض موضوعية تغطي فجر الحضارة، والنيل، والكتابة، والدولة والمجتمع، والثقافة، والمعتقدات والأفكار.وتعرض قاعة العرض المركزيبالمتحف أبرز سمات ومراحل الحضارة المصرية منذ عصور ما قبل التاريخ وإلى الآن باستخدام أساليب متعددة مما يسلط الضوء على التراث المادي والمعنوي للبلاد. ومنذ فترة، تم نقل مقتنيات متحف النسيج من مكانه بشارع المعز في القاهرة الفاطمية إلى العرض في قاعة العرض المؤقت في المتحف القومي للحضارة المصرية في الفسطاط.ويتضمن المتحف مساحات مؤقتة واسعة للعرض، وقاعة ومركز للتعليم والبحث، فضلاً عن إقامة العديد من المعارض والأنشطة والفاعليات والزياراتالمتنوعة. ويعد المتحف حاليًا بمثابة مكان مناسب للغاية للكثير من المناسبات المختلفة، بما في ذلك عرض الأفلام والمؤتمرات والمحاضرات والأنشطة الثقافية والتي تستهدف الجماهير المصرية والعربية والدولية. وتم افتتاح متحف قصر الزعفران بجامعة عين شمس بالقاهرة.
في مصر هناك العديد من المتاحف الإقليمية في محافظات مصر المختلفة، مثل متحف كفر الشيخ، ومتحف شرم الشيخ، ومتحف الغردقة، ومتحف ملوي، ومتحف الأقصر، ومتحف التحنيط، وغيرها، وكذلك المتاحف التاريخية التي يرجع أغلبها لأسرة محمد علي باشا مثل متحف الأمير محمد علي بالمنيل، وغيره.
تعد المتاحف الأثرية المصرية، في رأيي، هدية مصر للعالم في القرن والعشرين. وتعبر عن أهمية مصر ودورها الحضاري المتواصل عبر السنين. وسوف يكون المتحف المصري الكبير بالجيزة،مع المتحف القومي للحضارة المصرية بالفسطاط الذي تم افتتاحه منذ فترة، إضافة مهمة لمصر وآثارها وتاريخها الحضاري العريق، وسوف يقدم، مع مجموعة متاحف مصر الأثرية الأخرى، خدمة ثقافية وترفيهية مميزة لمصر وزوارها على أفضل ما يكون. إن هذه هي مصر الحضارة ورسالتها، مصر صاحبة الرسالة الخالدة عبر العصور والأزمان.
المتحف اليوناني الروماني بالإسكندرية
المتحف اليوناني الروماني بالإسكندرية من أقدم وأجمل وأعظم المتاحف في مصر والعالم. ويعد وجود المتحف في شارع فؤاد في منطقة الحي الملكي البطلمي، أقدم الشوارع الأثرية الأساسية لمدينة الإسكندرية عالمية الطابع، والتي وضع مخططها الإسكندر الأكبر، كحلقة للوصل بين اليونان ومصر قديمًا.
يعد مشروع تطوير المتحف اليوناني الروماني وإعادة افتتاحه حدثًا عالميًا فريدًا، خاصة أن المتحف يعد أحد أهم وأعظم متاحف منطقة حوض البحر المتوسط بأسرها، كما أنه يتمركز في أقدم الشوارع الأثرية عالميًا.
اُفتتح المتحف اليوناني الروماني في عهد الخديو عباس حلمي الثاني في يوم ٢٦ سبتمبر عام ١٨٩٥ ميلادية. وقد بنى المتحف على عدة مراحل. وفي المرحلة الأولى جُمعت المجموعة الأثرية الأولى في ١٨٩٢ ميلادية، والتي كان قوامها المتحف المصري. وفي المرحلة الثانية اكتمل بناء العشر قاعات الأولى ١٨٩٥ ميلادية. وفي المرحلة الثالثة أضيف قاعتان. وأخيرًا ١٩٠٤ ميلادية. وكان ذلك جنبًا إلى جنب مع تكوين الجمعية الأثرية في الإسكندرية في ١٨٩٣ ميلادية كمؤسسة علمية داعمة تنظم البحث العلمي لدراسة الآثار ونشرها.
لا يمكننا إغفال دور مؤسسي المتحف الذي بدأ من الإيطالي جوسيبي بوتي الذي عمل جنبًا إلى جنب مع جاستون ماسبيرو مدير مصلحة الآثار المصرية وأول مدير للمتحف المصري في القاهرة. ثم جاء من بعده، إيفرستو بريشيا، وأخيل أدرياني، في إدارة المتحف، اللذان قاما بإثراء المتحف بحفائرهما التي تمت في داخل الإسكندرية وخارجها مثل حفائر الورديان الأنفوشي والفيوم. وقد تم زيادة مقتنيات المتحف عبر العصور من خلال الإهداءات السخية من جامعي التحف الأثرية مثل جون أنطونيادس وجليمونوبولو ومنشا باشا وملوك مصر الملك فؤاد الأول وفاروق.
بعد التطوير والتحديث الخاص بالمتحف اليوناني الروماني، تم الاحتفاظ بواجهة المتحف كلاسيكية الطابع للتعبير عن الفترة اليونانية المليئة باتجاهات فكرية مختلفة، والتي تعايشت بجانب بعضها البعض. بالإضافة إلى طرح أقسام جديدة بالمتحف لخدمة الفكر المتحفي الحديث حتى يكون مؤسسة علمية منافسة على مستوى عالمي. على أن تكون موضوعات العرض الدائم لسيناريو المتحف اليوناني الروماني الجديد تغطى مساحات تاريخية من تاريخ مصر القديمة بوجه عام، والإسكندرية بوجه خاص.
تم تناول الدولة الحاكمة والحياة السياسية في مصر خلال العصرين البطلمي والروماني، بجانب عرض شكل الحياة اليومية اليونانية والرومانية بالإسكندرية (المجتمع السكندري)، وعرض فكرة الديانة والعبادات في العصرين اليوناني والروماني (العبادات والديانة) من خلال مجموعات المتحف اليوناني الروماني المعروفة والمميزة مثل مجموعة الرأس السوداء، ومجموعة أرض المحمرة، وعرض معبد التمساح ـ سوبك، والذي يرجع إلى عصر الملك البطلمي بطلميوس السابع.
يعرض المتحف التطور العقائدي الجنائزي في العصرين اليوناني والروماني من خلال المومياوات والأواني الكانوبية والتمائم وشواهد القبور الجنائزية وبورتريهات الفيوم والتوابيت عبر العصور المختلفة التي مرت بها الإسكندرية بوجه خاص، ومصر بشكل عام.
وتم التعبير عن النشاط الفني بالإسكندرية من خلال المسرح، وعبادة المعبود ديونيسيوس (راعى المسرح) في الإسكندرية. وتم عرض التطور العقائدي الجنائزي في العصرين اليوناني والروماني من خلال المومياوات والأواني الكانوبية والتمائم وشواهد القبور الجنائزية وبورتريهات الفيوم والتوابيت عبر العصور المختلفة التي مرت بها الإسكندرية بوجه خاص، ومصر بشكل عام.
تم عرض الفن البيزنطي والفن القبطي من خلال البقايا المعمارية المميزة (أفاريز، وزخارف السقوف، وقواعد الأعمدة، وعوارض، وتيجان، ومعموديات، ونسيج، وعملات، ومجموعة الراعي الصالح (جداريات ومنحوتات ومسارج وقنينات).
في الطابق الأول المضاف للمتحف، تم عرض فكرة التجارة والتبادل التجاري والعلاقات الخارجية الاقتصادية والحربية والصناعات الصغيرة والحرف المصرية (العاج، والعظم المشغول، والحلى، والفيانس وورشه، والبرونز، والزجاج) المنتشرة في أرجاء مصر المعمورة في العصور القديمة، والتي كان يتم تبادلها مع بعض الدول الصديقة.
زُود المتحف بصالة لكبار الزوار، وقاعة للمؤتمرات، ومكتبة خاصة بالمتحف اليوناني الروماني، والتي تضم أندر الكتب بالعالم. وأخيرًا قاعة للتربية المتحفية لجذب الأطفال إلى المتحف من خلال الورش والأنشطة المختلفة التي تهتم برفع الوعي الأثري لدى الأطفال.
وهدف تطوير المتحف اليوناني الروماني إلى تعزيز الرسالة العلمية والثقافية التنويرية للمتحف على اعتبار هذا المتحف واحدًا من أهم وأعظم متاحف منطقة حوض البحر المتوسط بأسرها. المتحف اليوناني الروماني مؤسسة علمية منافسة على مستوى عالمي وستركز على الفكر المتحفي الحديث وتغطي موضوعات العرض الدائم لسيناريو المتحف اليوناني الروماني الجديد مساحات تاريخية من تاريخ مصر القديمة بوجه عام، والإسكندرية بوجه خاص.
أكد تطوير المتحف اليوناني الروماني على مكانة الإسكندرية كمركز عالمي وتاريخي للفكر والثقافة والحضارة، فكانت المدينة منارة للعلوم والثقافات الحضارية المختلفة، وقبلة يحج إليها جميع علماء وفلاسفة العالم القديم لما لها من تأثير ثقافي وحضاري، وهذا المشروع الأثري العالمي سيرسخ مكانتها الدولية. وسوف يتم افتتاح المتحف اليوناني الروماني بالإسكندرية في حدث عالمي إلى الجمهور قريبًا إن شاء الله.
لنا تكملة في العدد القادم
































