بقلم: هيثم السباعي
دأب الرئيس الأمريكي أوباما على التسويق والدعاية للإتفاق النووي الإيراني منذ مدة ليست قصيرة، مدعياً أنها في مصلحة الدول الغربيه وإيران والعالم الذي سيكون بوضعٍ أفضل. من الواضح أنه يسترضي إيران بشكل أو بآخر، خاصة مايتعلق بإمتداد نفوذها في العراق وسوريا ولبنان واليمن، كما أنه يبذل جهوداً كبيرة للوصول إليه-الإتفاق-لإعتباره من أهم إنجازات ولايتيه إضافة إلى برنامجه الصحي وسحب قواته من أفغانستان والعراق.
تجاهلت الولايات المتحدة خرق إيران الحظر الإقتصادي المفروض عليها عدة مرات. إذ قامت الأخيرة، على سبيل المثال لا الحصر، بشراء مواد من الأسواق لها علاقة ببرنامجها النووي من السوق السوداء، حسب معلومات الحكومة البريطانية. كما قامت بشراء خمسة عشر طائرة من طراز «إيرباص» مستعمله من جهة لم تعلن عنها إيران ولم تُعرف حتى الآن.
فرنسا فقط تُغَرد خارج السرب من وقت لآخر. فهي الدولة الوحيدة المشتركة بالمفاوضات التي تربط رفع العقوبات الإقتصاديه بالتدريج وبالتوازي مع تطبيق بنود الإتفاق. كما أنها الدولة الوحيده التي تصر على تفتيش المفاعلات النوويه بشفافية وتولي هذا البند إهتماماً كبيراً في الوقت الذي تطلب فيه إيران مهلة ٢٤ يوماً قبل السماح لمفتشي الوكالة الدوليه للطاقه النوويه بدخول المنشآت المذكوره. مثل هذه المهله، تمكن إيران من إجراء تعديلات وتغييرات كبيره بالمنشآت.
من جهة أخرى يصرح كل من آية الله علي خامنئي والرئيس حسن روحاني بأنهما لن يسمحا لأحد مهما كانت صفته دخول منشآت بلادهم العسكريه مهما كانت الأسباب. يعود مسؤول إيراني آخر للتصريح بأن بلاده ستسمح للمفتشين بزيارة المواقع النوويه بحسب الترتيبات التي تفرضها حكومته.
دول المنطقة، على رأسها إسرائيل ودول الخليج قلقة جداً من برنامج إيران النووي ولاتخفي خشيتها من الخطر الذي سيحدق بها فيما إذا نجحت إيران بتطوير سلاح نووي سيؤدي بالتأكيد إلى إختلال التوازن الإستراتيجي في المنطقة. في الوقت نفسه لاتتوقف تطمينات الولايات المتحده لحلفائها بأنها موجودة لحمايتهم عند اللزوم. إلا أن هذه التطمينات لم تُقْبَل لامن إسرائيل ولا من قبل رؤساء الدول الخليجيه. وقد عبروا في عدة مناسبات عن إستيائهم من موقف الولايات المتحده بسبب تجاهلها لإقتراحاتهم والتأكيد على أن التطمينات الأمريكيه غير كافية. وقد هددت إسرائيل عدة مرات بقصف المنشآت النوويه الإيرانيه كما فعلت سابقاً للمنشآت النوويه العراقيه والسورية، ولكن تهديداتها لُجمت من قبل أمريكا ولم تتجرأ على القيام بمثل هذه المغامرة العسكريه بدون موافقة العم سام.
حاولت وربما نجحت الولايات المتحده بإسترضاء إسرائيل من خلال الوعود بتزويدها بالقنابل التي تدمر التحصينات تحت الأرضيه التي طورت لهذا الغرض والتي تبلغ زنتها ثلاثون ألف ليبره (حوالي ١٣٦٠٠ كيلو غرام). وعدتها أيضاً بتزويدها بطائرات ف – ٣٥ المتطوره بعد الإنتهاء من إختبارها ووضعها بالخدمة. في حوالي منتصف حزيران (يونيو) ٢٠١٥، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكيه عن تزويد إسرائيل بقنابل وصواريخ وأسلحة أخرى بقيمة ١,٩ مليار دولار. وكانت إسرائيل قد إتّهمت بالتجسس على كومبيوترات الفنادق الأوروپية الثلاثه التي جرت فيها المفاوضات النوويه مع إيران. من جهةٍ أخرى، هددت السعوديه بشراء قنابل نوويه من پاكستان.
أما قادة دول الخليج، الذين دُعوا من قبل الرئيس أوباما إلى مؤتمر قمه في ‹كامب ديڤيد› فقد عبر أكثرهم عن إستيائهم وعدم ثقتهم بموقف الولايات المتحده من طريقة تعاملها مع إيران فيما يخص الملف النووي وتمدد نفوذها في المنطقه. تُرجم هذا الإستياء باستنكاف أغلب قادة الخليج عن حضور المؤتمر، مما إعتبر صفعة لأوباما، وأرسلوا بدلاً عنهم ممثلين أدنى مرتبه عدا إثنين منهم حضرا القمه. بالنتيجة، عادوا جميعاً بخفي حنين، لأنهم كانوا يرغبون بتوقيع معاهدة دفاع مع الرئيس أوباما والحصول على وعود بإتخاذ إجراءات كفيلة بحمايتهم في المستقبل وبالحد من النفوذ الإيراني في المنطقة إلا أن كل هذا ذهب أدراج الرياح وإكتفى أوباما بالقول: إننا موجودون وسنتدخل عند اللزوم. وهذه مجرد وعود شفهيه يمكن التنصل منها بسهولة.
بالنتيجة، المفاوضات الجاريه حالياً صعبة جداً وتتعثر من وقت لآخر بإعتراف المفاوضين أنفسهم. ثم إنها أمام عقبات، بعضها غير متوقع. من المعروف مثلا أن حياة خامنئي بخطر بسبب إصابته بسرطان البروستات، ولاأحد يعلم ماذا سيكون مصير المفاوضات أوالإتفاق فيما إذا فقد حياته. كما أن النواب الإيرانيون يحضرون حالياً مشروع قانون قد يؤدي إلى إفشال أي إتفاق نووي مع الغرب.
يتوقع بعض المهتمين بأن تمدد المهلة إلى الثامن من تموز (يوليو) بدلا من الثلاثين من حزيران (يوليو)، وربما لأبعد من هذا التاريخ. المهم علينا الإنتظار لمعرفة النتيجة، عملاً بقول الشاعر الجاهلي طُرفه بن العبد: ستُبدي لك الأيامُ ماكنت جاهلاً…..ويأتيك بالأخبار مَنْ لم تُزَوِّدِ.
كل عام والجميع بألف خير.






























