بقلم : شريف رفعت
الجزء الأول:
في بداية الرحلة تملكه الحزن و الشجن، أول مرّة يفارق الأهل، رغم أن وجهته لا تبعد عن بلدته سوى أربعة ساعات إلا أنها بدت له كآخر الدنيا، ما أصعب لقمة العيش في وطنه هذا، شهادته الجامعية لا تساوي شيئا، البعض يعتبرونه محظوظا لأنه وُعِد بالتعيين في أحد فنادق المنتجع، بالتأكيد وظيفة حقيرة لكنها أفضل من اللاشيء الذي عاش فيه عامين منذ تخرجه، هي أيضا أأمن من الخَيار الذي اختاره العديد من شباب البلد، هؤلاء الذين يركبون البحر في قوارب مزدحمة بائسة غير آمنة بحثا عن عمل في بلدان أوروبا، و ينتهي الأمر بالعديد منهم إلى التخلص من بؤس حياتهم غرقا، عمله في المنتجع بالتأكيد أقل دخلا ممن يعملون في أوروبا لكنه بالتأكيد أيضا أكثر أمانا، بالإضافة لقربه من بلدهم حيث يمكنه العودة للزيارة شهريا، لم يمض على مغادرته لبلده سوى ساعات و هاهو يفتقد عائلته و بالذات أمه، أمه التي أخذت تلح عليه أن يتزوج وكان هذا هو دافعه الرئيسي لسعيه إلى عمل بعيد عن أهله كي يتمكن من ادخار ما يمكنه من الزواج.
بالتدريج انحسر الحزن و الشجن و حل محلهما انبهار، من السهل عليه أن ينبهر فقد أمضى طول عمره في بلدهم لا يعلم شيئا عما خارجها، أبعد ما وصل له كان عاصمة المحافظة أثناء دراسته الجامعية العقيمة، الصحراء حوله شاسعة، الجبال شاهقة و ألوان صخورها متباينة و بديعة، وصلت الحافلة للمنتجع، لم تتوقف لكنها استمرت حيث موقفها في مدينة شرم الشيخ نفسها، أثناء اختراقها لمنطقة الفنادق شاهد البحر من الطريق العام، كبير و رهيب هذا البحر ليس مستأنسا مثل البحر الصغير الذي تقع عليه بلدته، شاهد ايضا بعض الأجانب يعبرون الطريق العام، تساءل هل سيكون عليه التعامل معهم عندما يبدأ عمله، نزل من الحافلة، فرد جسده المرهق، هناك موقف قريب لسيارات الأجرة التي ستعود به للمنتجع، كما أخبره صديقه رضوان الذي وعده بالوظيفة في الفندق الذي يعمل به استقل أحد السيارات مع مجموعة من الركاب و طلب من السائق أن ينزله عند الفندق ذي الاسم الأجنبي و الذي كان قد كتب اسمه في ورقة حتى يمكنه نطقه و لا ينساه.
نزل أمام الفندق، هم بالدخول، استوقفه شرطيان يقفا أمام المدخل لدواعي الأمن، بالطبع بملامحه و ملابسه و حقيبته البائسة واضح أنه ليس من النزلاء، شرح لهما أنه سيعمل بالفندق، فتش أحدهما محتويات حقيبته، فتشه الآخر تفتيشا ذاتيا ثم سمحا له بالدخول، رغم أنهما هما نفسهما ريفيان لكنهما تعاملا معه بتعالي واضح فالظاهر أن ريفيته أكثر فجاجة منهما، توجه إلى موظف استقبال الفندق فقام بالاتصال ببلدياته رضوان الذي كان قد وعده بالوظيفة، حضر صديقه و رحب به ثم أخذه إلى شئون العاملين حيث أنهوا اجراءات تعيينه، نصحه رضوان أن يطيع الأوامر و أن يحتفظ دائما في جيبه بالأوراق التي تثبت عمله في الفندق و ألا يذكر أنه حاصل على شهادة جامعية، نصحه أيضا أن يقبل العمل ساعات إضافية كلما أمكنه حتى يدخر أكبر قدر من مرتبه.
مازالت رحلة الانبهار مستمرة، نظافة الفندق و فخامته، نزلاء الفندق مجموعة من الناس خالية البال غرضها المتعة و المرح و الراحة، أنواع الطعام التي يأكلها هو و العاملون مثله، رغم ان معظمها من بقايا بوفيه النزلاء المفتوح إلا أن الطعام شهي و متنوع، كثير من الأطعمة لا يعرف حتى اسمها، كان عليه العمل في مواقع مختلفة، تنظيف و توضيب حجرات النزلاء، إعداد بعض الوجبات في المطبخ أو العمل في المطعم حيث كان عنده الفرصة للتعامل مع النزلاء، الأقلية منهم مصريون، أغلبهم اجانب لا يفقه لغتهم فيكتفي بالابتسام لهم، ساعات العمل طويلة و أحيانا مملة لكنه عمل غير شاق.
في أحد فترات راحته استقل سيارة أجرة مع غيره من الركاب و توجه إلى بلدة شرم الشيخ لشراء بعض احتياجاته، في طريق العودة أوقفت السيارة دورية شرطة، ضابط في ملابس مدنية معه شرطيان، نظر الضابط داخل السيارة و امر البعض بالنزول، هؤلاء واضح أنهم من العاملين وليس من نزلاء الفنادق، بالطبع كان هو أحدهم، سأله الضابط بعنجهية عن بلده، أجابه بأدب و هو مرعوب، علق الضابط ساخرا “محافظتكم لا يأتي منها سوى المصائب” ثم أضاف “هل مازال في بلدكم ناس أم الكل هج منها” لم يدري بماذا يجيب، سأله الضابط عن مكان عمله و الأوراق التي تثبت أنه يعمل فأراهم له، تركه الضابط و كرر نفس الأسئلة مع الآخرين، اثنان من الركاب لم يكونا محظوظين فحجزهما و أمر الباقيين بالعودة للسيارة، علم لاحقا أن ما حدث إجراء روتيني يحدث كثيرا بغرض حفظ الأمن.
عندما سنحت له الفرصة ذهب للتمشية على الشاطئ، كان ذلك صدمة حياته، كمية الحسناوات الأجنبيات العاريات و شيه العاريات صدمته، هناك شيء غلاب لكن غير سوي في هذا الوضع، فعندما يجوع الفندق يطعمه، جائز أغلب الطعام من بقايا البوفيه المفتوح، لكنه طعام معقول يسد جوعه و يشبع حاجته، لكن حاجته لأنثى و التي أثارتها و عمقتها رؤيته لكل هذه الأجساد العارية المثيرة كيف يشبعها، في مساء هذا اليوم و هو في فراشه سأل نفسه “هل عندما أتزوج سيكون جسد امرأتي بنفس درجة إثارة هذه الأجساد؟ زارته الأجساد العارية الرائعة في نومه ففرجت عنه بعض الشيء.
عندما تحدث عن نساء الشاطئ مع رضوان نصحه ضاحكا بأن يقفز في البحر بعد تمشيته على الشاطئ حتى يهدئ من غريزته الهائجة، بالفعل عندما وجد فرصة سانحة استعار من رضوان لباس البحر الخاص به ارتداه و سار على الشاطئ يمتع نظره و خياله بالأجساد العارية، ركز على الحسناوات الأجنبيات اللاتي يرتدين لباس بحر دون القطعة العلوية تاركين نهودهن الجريئة تستمتع بأشعة الشمس و نظرات المعجبين بينما القطعة السفلية تتوارى في حياء، وسط حملقته و شبقه لا يدري لماذا طاف بخاطره صورة أمه تدعو له لحظة فراقه لها من أيام.
عندما تعب من السير و من الحملقة و من الأفكار قفز في البحر و هو حائر منتشي.






























