بقلم: هيثم السباعي
قبل التحدث عن المصالح الإستراتيجيه لروسيا، دعونا نسترجع بعض أحداث العقد الثاني من القرن الحالي والتي أدت إلى الغضب والتعنت الروسي في بعض المواقف، وفقدان ثقتها بالتعامل مع الغرب:
1. مع ظهور ثورات الربيع العربي وتحديداً في ليبيا، تعرضت روسيا لأول خديعة غربيه عندما وافقت على قرار لمجلس الأمن بشأن ليبيا، إتفقت فيه شفهياً مع الغرب على عدم التدخل العسكري فيها. بعد التوقيع بقليل فوجئت روسيا بتدخل كل من بريطانيا وفرنسا وإيطاليا عسكرياً بهدف تقاسم الكعكة النفطية فيما بينها وإخراج روسيا منها. يجب أن لاننسى أن ليبيا كانت من أهم زبائن السلاح الروسي في الشرق الأوسط.
2. الخديعة الثانية التي تعرضت لها روسيا كانت في أوكرانيا. عندما بدأت الإحتجاجات في أوكرانيا ضد الرئيس “ڤيكتور ياكونوڤيتش” الموالي لروسيا. عرض الغرب وساطته لإصلاح ذات البين، وقبلت روسيا بوساطة وزراء خارجية بريطانيا وفرنسا وألمانيا الذي وصلوا إلى كييڤ ليفاجأ العالم في اليوم التالي لوصولهم بمظاهرات عارمة أدت إلى قلب نظام حكم “ياكونوڤيتش” وتنصيب “پيترو يوروشينكو” الموالي للغرب بدلاً عنه. قامت روسيا كردة فعل بإنزال قواتها في شرق أوكرانيا، ذات الأغلبية الروسية بعد ضمها شبه جزيرة القرم.
3. أدت هذه الخلافات إلى فرض الغرب حصاراً إقتصادياً على روسيا.
4. أدى إتفاق الولايات المتحده والعربية السعودية على إغراق الأسواق العالمية بالنفط الخام إلى إنخفاض سعر البرميل من ١١٥ إلى حوالي ٥٠ دولاراً فقط. خلق هذا الإنهيار بالأسعار صعوبات إقتصادية كبيرة بالنسبة لروسيا التي يعتمد جزء لابأس به من دخلها القومي على مبيعات النفط والغاز. قال خبراء الإقتصاد أن روسيا لديها من الإحتياطيات النقدية مايكفيها لتتعايش مع إنهيار أسعار النفط والغاز وتطبيق هذا الحصار مدة سنتين.
5. النتائج الأوليه لإنخفاض أسعار النفط والحصار الإقتصادي، برأي المخطط الإقتصادي المعروف ‘سلاڤا رابينوڤيتش’: “نتج عن العقوبات الإقتصادية الغربية على روسيا الإتحادية فقدان الروبل ٥٣٪ من قيمته، إذ كان الدولار يساوي ٣٢ روبلاً في كانون الأول (ديسيمبر) عام ٢٠١٢ ليرتفع سعر الدولار الواحد في نفس الشهر من عام ٢٠١٤ إلى ٦٨ روبلاً. وقد يؤدي هذا الإنهيار بقيمة الروبل إلى إنهيار الإتحاد الروسي خلال ستة أشهر في حال عدم تمكن موسكو من تقديم العون المالي اللازم لجمهورياتها.”
6. يضاف إلى ماتقدم قيام حلف الناتو بنشر جدار صواريخ عابرة للقارات في بعض جمهوريات الإتحاد السوڤيتي السابق المحيطة بروسيا مثل ليتوانيا وپولندا وغيرها.
7. الخلاف حول مصير النظام السوري وخاصة رئيسه بشار الأسد. الغرب يطالب بتنحيه لفقدانه الشرعية ثم قبل ببقائه في مرحلة إنتقاليه بعد تسليمه الأسلحة الكيميائية والجرثومية التي كانت بحوزته وتدمير مراكز تصنيعها بإشراف منظمة منع إنتشار الأسلحة الكيميائية المنبثقة عن الأمم المتحده.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا، بصرف النظر عن العلاقة بين موسكو والغرب، لماذا هذا الدعم الروسي غير المحدود للنظام السوري القائم حالياً؟؟؟؟ تكمن الإجابة على هذا السؤال في عدة عوامل هامة يمكن إيجازها بما يلي:
أ) كانت قاعدة طرطوس البحرية القاعدة الروسية الوحيدة خارج روسيا، أهملت لعدة سنوات بعد إنهيار الإتحاد السوڤييتي. قامت روسيا مؤخراً بتحديثها وتطويرها لإستقبال كافة أنواع السفن الحربية والأسلحة وأعلنتها قاعدة دائمة لها ونشرت فيها صواريخ أرض- جو متقدمة من طراز إس-٣٠٠.
ب) عندما قررت موسكو التدخل عسكرياً في سورية، وبدأته بتاريخ ٣٠ إيلول (سيپتيمر) ٢٠١٥، خصص لها النظام مطار حميميم قرب اللاذقية. قامت روسيا بتطوير المطار وجعلت منه قاعدة عسكرية هامة زودتها بمختلف أنواع الطائرات المقاتلة القاذفة المتطورة من طراز سوخوي وميغ، ونشرت فيها أحدث بطاريات صواريخ أرض- جو من طراز إس – ٤٠٠، أي قرب حدود الناتو الجنوبية، وإتفقت منذ يومين مع الحكومة السورية لبقائها قاعدة روسية إلى الأبد. كما أنها تستخدم حالياً قاعدة ‘الضبعة’ قرب حمص في وسط البلاد.
ت) وقعت روسيا مع الحكومة السورية في كانون الأول (ديسيمبر) عام ٢٠١٤ عقداً مدته ٢٥ عاماً لإستكشاف وإنتاج النفط والغاز من المكامن المتوقعة على السواحل (الحقول البحرية) السوريه.
ث) عندما طلبت قطر موافقة النظام السوري على مرور خط أنابيب لنقل الغاز القطري إلى أوروپا، رفضت الحكومة السورية ذلك بإعتباره يضر بمصالح حليفتها روسيا التي تزود أوروبا الغربيه بالغاز عن طريق خط أنابيب عبر أوكرانيا. ينتهي العمل بعقد هذا الخط بعد ٢,٥ سنه، لذلك وقع الرئيس پوتين مع الرئيس أردوغان أثناء زيارته الأخيرة إلى إسطنبول لحضور المؤتمر الإقتصادي عقداً لبناء خط أنابيب لنقل الغاز الطبيعي إلى أوروبا الغربيه عبر البوسفور بإستطاعة ٦٣,٥ مليون متر مكعب سنوياً.
هناك أسباب أخرى لامجال لذكرها هنا.