بقلم: سوسن شمعون
في أواخر القرن العشرين و بدايات القرن الحادي و العشرين حدثت طفرات و قفزات نوعية في مختلف المجالات ، فنحن نرى هذا الكم الهائل من التطورات على جميع الأصعدة مما أثّر بشكلٍ واضح على إيقاع الحياة اليومية المعاشة ، فمنذ اختراع الرادار الذي كانت له الكلمة الفصل في انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية و ابتكار آلات القتل و الفتك الجديدة وقتها ابتداءً من القنبلة النووية و انتهاءً بالفزاعات الداعشية لإرعاب الأمم و اختراع أساليب شيطانية لاستعباد الشعوب و السيطرة عليها ، تظهر الوثنية و قد بسطت سيطرتها على العالم بأسره و لم تكن هذه الوثنية قد طغت بطرقها التقليدية إنما بدت بوجوه مختلفة و مبتكرة منها إعلامية و ثقافية و اجتماعية و سياسية و الآن دموية بشكلٍ أكثر تجلٍ مما كان ، إن عدنا لمعنى كلمة وثنية فهي تعني التضرع و التوسل و الخضوع و العبادة لغير الله تعالى ، و كان للوثنية فيما مضى رموزها المعروفة في كل العصور مثل الأصنام و الخرافات و الأساطير التي تمجد الآلهة ، و الآن تأتينا هذه الوثنية مواكبة لتغيرات الحقب التاريخية فالدول العظمى الآن غير التي سادت فيما مضى فأصبحت أكثر اتساعاً و أعتى قوةً و تجبراً و كذلك الدول الصغرى باتت أكبر عدداً و أكثر خضوعاً و استعباداً و اتباعاً لآلهتها أي الدول العظمى فهي تقدم لها القرابين و الخيرات مرغمة كي تكون بمنئى عن بطشها و غضبها و لنيل رضاها ، و نتيجة جرعة الوعي لدى بعض الشعوب و النزعة للتحرر والاستقلال تغيرت أساليب الوثنية و آليات عملها للسيطرة حيث أصبح الإعلام و الغزو الثقافي هو الزي الجديد لها ، و نرى جيداً كيف يتهافت الكثيرون من المخدوعين بكل كيانهم و مشاعرهم و جوارحهم لمجارات هذا الزيف المسمى تحضر ، و ذلك بإتباع مظاهر و سلوكيات أرباب تلك الوثنية و الانسلاخ المفاجئ أو التدريجي عن تقاليدهم و انتماءاتهم ، إننا نعرف جيداً أن ملايين الدولارات التي يمكن أن تحل أزمات الفقر في العالم تنفَق من كل أنحاء دول العالم الثالث لأجل مشاركات بلهاء في مسابقات فنية أو لربح رحلات سياحية أو لاقتناء أحد أجهزة الاتصال الحديثة مثلاً ، إن بهرج الوثنية هذا سلب عقول و قلوب الكثيرين في مجتمعاتنا متناسين بذلك تبعات هذا الخداع على المدى البعيد ، هو تلاعب واستغلال للمشاعر و تغيير في المبادئ و قلب للحقائق وتسمية مختلفة لمسميات أخرى و تبرير لانتهاك و احتلال و قتل و نهب وسلب حقوق ، ليعيش هذا العالم حياة تبعية عمياء و ليكون إمّعة لأسياده و عبد لوثنية معاصرة و التي صنعتها و صاغتها جماعات أرادت طمس قيم و تشويه حضارات و إقامة هيكل يُعبد ولو بطرق غير مباشرة وغير صريحة ، ليبتعد الناس عن الله و عن تشريعاته و أحكامه بحجة التحضر و مجارات الموجة السائدة وغير ذلك من المفاهيم و المصطلحات الإلحادية و المزخرفة ، و ما يزيد الطين بِلة هو تعصب بعض من يقومون بالدفاع عن الدين و عن المبادئ بطريقة تكون عاطفية بعيدة عن العقلانية و المنطق وفيها الكثير من التصنع و المراآة أو الاستخفاف بالعقول كما يستخف بها أتباع الوثنية هذه ، فيزيد ذلك من نفور العامة للمعتقد السليم و الإرث الديني الحنيف ، إن مسألة إبعاد أمم بأسرها عن تراثها و تقاليدها أياً كانت هي عولمة بالمعنى الشامل ، فالعولمة تسوق هذه الأمم وفق منهجية معينة تقصيها عن ذاتها و تجعلها تخضع لعملية غسيل أدمغة فتصبح دون وعي و تسلك طرق التشتت و الانحلال الأخلاقي بذريعة الارتقاء و التطور ، فالوثنية و العولمة وجهان لعملة واحدة .
والسؤال هنا … متى نصحوا و ندرك حقيقة الخديعة ، متى نعود لله ؟