بقلم/ أسماء أبو بكر
أيقنت مؤخرًا أنّ القوى الناعمة ليست جديدة كفكرة، ولكن أهمية الحديث عنها تقبع في تحولها إلى سياسات تطبيقية أخذت مجريات تنفيذية في واقع الأمة العربية، فالحديث عن قوة ناعمة لأى دولة عربية، دون ترجمة تنقل للعالم ما نفكر فيه وما نؤمن به من قيم ومبادئ، يبدو عملًا عبثيًا ليس له معنى على الإطلاق، فهذه القوة أكثر خطورة من العنف الجسدي؛ لأنّها هادئة وموجهة في آن واحد، وأيضًا لأنّها تتلاعب بالأصول المرجعية وتعمل على تبديل محتواها دون أن تنبه المتلقي.
لا شك أنّ قوة الدول تأتي من قوتها العسكرية بالأساس ثم من منطلق هذه القوة تأتي القوة الاقتصادية أو كما تُعرف بالقوة الناعمة، وأنّ الجيش الوطني القوى هو من تستمد منه الدولة قوتها، ويسمح لها بتطوير بقية أدوات الدولة؛ لكي تحتل بها المكانة المناسبة بين كل دول العالم، فالقوة الاقتصادية لا تحمي الدولة الوطنية، بل تعطيها مركزًا متقدمًا بين منافسيها، ولكن تحرمها من استقلال قراراتها وسيادتها الوطنية، فنجد أنّ العديد من الدول تمتلك اقتصاديات قوية، ولكن هي مجرد تابع لدول أخرى، وهو المفهوم الذي ترسخه الدول العظمى منذ الحرب العالمية الثانية؛ حتى تستطيع التحكم والسيطرة على مقدرات الدول دون طلقة واحدة، فالقوى الاقتصادية بدون قوى عسكرية تحميها، لا تعنى سوى التبعية والرضوخ لمن يملك تلك القوى.
فالقوى الناعمة في مصر هي مسألة إدراكيه بحته، وسلاح قوي لكل أشكال التطرف والإرهاب في عصرنا هذا، وأحد أهم المؤثرات الإيجابية في الدولة، ومن أهم دعائم تماسك المجتمع؛ لذلك فهي الثابتة الراسخة في الواقع المصري، والمؤثر الوحيد في الشخصية المصرية بتنوعها الفريد في الفن والأداب والثقافة والرياضة، بكونها القادرة على الهيمنة والسيطرة على المقدرات الثقافية والأيديولوجية للطرف المستهدف في العلاقات الدولية الصراعية، فنجد أنّها تمثل العنصر الثابت في السياسات الديمقراطية، وتشكل عنصرًا أساسيًا من عناصر القيادة الناجحة في امتلاك القدرة على جذب الآخرين؛ لأنّ الجذب نابع ومستمد من الشرعية في الحكم، وذلك من أجل تحقيق الأهداف والسياسات التي تم التخطيط لها من قبل وتحديد الأجندة السياسية للدول الأخرى.
شهدت السنوات الأخيرة تحولًا كبيرًا في الشروط اللازمة لعرقلة القوى الناعمة متمثلة في ثورة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والعولمة، تلك الثورة التي عملت على تعزيز الهيمنة الأمريكية، وجعلت من العالم قرية صغيرة يسهل على الإنسان التواصل والتجول داخلها بكل سهولة ويسر، فالعولمة ظهرت فى العصور الحالية بشكل كبير، وخاصة فى مجال التكنولوجيا والتطورات الحديثة إلى أن استخدمها الغرب فى حروبهم كأداة للسيطرة على المشرق العربي، كحروب الجيل الرابع التي تعتمد على القوى الناعمة والحروب الفكرية؛ لأنّ الغرب وجدوا صعوبة فى السيطرة على الدول العربية من خلال حرب الجيل الثالث والتي انتهت بحرب أكتوبر وانتصار مصر والعرب على اليهود، فبدأوا فى استخدام الحروب الفكرية أو كما تعرف بحروب الجيل الرابع، فبدأت تصدر لنا أفكارًا غربية، وتشتت المجتمعات المتماسكة من خلال التدخل بين طوائف المجتمع وإنقسامهم كما حدث في بعض الدول العربية، ولكن مصر هي التي وقفت سدًا منيعًا أمام كل هذه الحروب، وذلك بسبب تماسك شعبها وجيشها وقوتها العسكرية التي تستمدها من قوتها الاقتصادية، وأيضًا من آثار حروب الجيل الرابع التي بدأت تظهر بالتحديد على وسائل التواصل الاجتماعي، والتعصب وعدم قبول الرأى الآخر.
نحن لدينا القدرة الكافية في التأثير على دول وشعوب العالم باستخدام القوة الناعمة التي تتطلب منا أن نكون جزء من هذا العالم، وعلينا أن نتبنى مؤشرات التقدم الدولية، ونسعى لتحسين ترتيبنا في المؤشرات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التى تحدد مكانة الدول في عالمنا العربي المعاصر، والأهم من كل ذلك هو تمكين دور المرأة المصرية؛ لأنّه عامل أساسي في تحسين كل هذه المؤشرات، وجزء من دعم القوى الناعمة، فدور المرأة المصرية ليس حالة تجميلية، بل هو ضرورة لاستكمال بناء المجتمع، وأي تنمية مستدامة لكافة العناصر لن يحدث دون التعاطي مع الجميع بما فيهم المرأة، والحالة الإبداعية والعلمية وتجديد الفكر الديني لن يحدث دون انخراط فكري واجتماعي شامل في إعادة صياغة للمجتمع المصري، ولن تتحسن القوى الناعمة المصرية في مجال الخارجية دون تحقيق نهضة في مشاركة المرأة بشكل رئيسى، لأنّ المرأة المصرية صاحبة تاريخ حافل بالعطاء للوطن، وقادرة على التأثير ونقل صورة مصر الخارجية إلى العالم كله بفكرها وثقافتها، وهي من يحافظ على الهوية المصرية وتماسك مصر ووحدتها، فهى من قدمت ابنها وزوجها وأبيها فداء للوطن في الحرب الشرسة التي كانت تخوضها مصر ضد الإرهاب، فهى تهدي أرواحهم للوطن وتزداد صلابة وقوة، وهى من تغرس في نفوس أبنائها قيم التسامح وقبول الآخر ونبذ العنف، وهى المسؤولة عن تربية فتى يحب وطنه ويفديه بروحه، وبذلك فهي القادرة على التأثير ونقل صورة مصر الحضارية إلى العالم، فالمرأة المصرية هي بحق قوة مصر الناعمة.
إنّ مصر من أهم المراكز للباحثين والفنانين والمؤلفين والمثقفين والمفكرين البارزين الذين لعبوا دورًا أساسيًا في تشكيل المجتمع المصري، والتأثير على العرب في جميع أنحاء العالم، وكانت أول دولة عربية في القرن الماضي انفتاحًا على العالم الغربي، ومصر اليوم أكثر الدول تقدمًا في الشرق الأوسط في مجالات الإبداع السينمائي والتليفزيوني والموسيقي والإعلامي والثقافي، وأن أهمية قوة مصر الناعمة تنبع من قدرتها على تشجيع النقاش الجاد بين العرب على الخطاب الديني، و دعم ثقافة تواجه خطاب الكراهية والعنف، لأنّ الثقافة مكونًا أساسيًا في الشخصية المصرية وفي تنمية الوعي وتطوير العقلية وتعزز التعايش بين جميع الشعوب، وليس من الصعب أن يقود زعماؤنا السياسيون والعلماء والفنانون والمؤثرون الثقافيون؛ تلك الجهود.
تسعى وزارة الثقافة في الفترة الحالية إلى الخروج من دائرة مركزية القاهرة وذلك عن طريق تفعيل مشروعات تدعم المواهب في شتى الأقاليم المصرية وإنشاء مراكز تنمية المواهب وتحقيق العدالة الثقافية من خلال الوصول إلى كافة شرائح المجتمع والمناطق الحدودية والأكثر احتياجا،فلا بد اذا من ترسيخ قوة مصر الناعمة في الخارج ،ولابد من الإهتمام بدور كل من التعليم والثقافة لأن الأعمال الإرهابية لا يمكن أن تصدر عن متذوق للثقافة والفن،والتعامل مع التراث الفنى واستثماره في الخارج والإستفادة من وسائل التواصل الاجتماعى وتكنولوجيا المعلومات كوسائل للوحدة في ظل هذا التنوع والتقدم وايضا تسهيل دخول المستثمرين،مثلما قامت مصر سابقا بفتح أبوابها لفنانين أصبحوا نجوما في دولهم،وأهمية دور الثقافة في الإصلاح والتجديد السياسي والديني وحماية حرية التعبير وضرورة التعاون الرسمية وفتح أبواب النشر الإبداعي ودعم الدولة ورفع قيمة الجوائز مع إعادة النظر في الأنشطة القائمة
هذا الشعب قد مر عليه الأشد والأصعب وظل واقفا يتساقط أمامه كل الامعات من عملاء وخونه، فالحال وإن طال فلا بد من أنه سيزول حتما بما لدى الشعب المصري من رجال وأبطال
أن القوة الناعمة المصرية واجهت تحديًا في الأونة الأخيرة نتيجه لعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي، ولكن الشعب المصري أثبت أنه قوي ومرن، وهو الدور المركزي للثقافة في هويتنا الوطنية وحياتنا اليومية، وأن مصر في الفترة الحالية تسعى إلى إقامة علاقة أكثر قوة مع الولايات المتحدة للدفع بازدهار وأمن الشرق الأوسط، مما لا شك أنّ هناك إجراءات وتعاون دبلوماسي واقتصادي وأمني جديد على ضرورة أن ندرك أهمية دبلوماسية “القوة الناعمة” والتأكد من أننا نعمل معًا لاستخدام هذه الأداة القوية للدفع بأمن وتقدم المنطقة.