بقلم: الاب / فريدريك اليسوعي
في المقدمة التمهيدية التي نُشرت لي في العدد الماضي من الرسالة الصادر بتاريخ الثالث من شهر مايو الجاري ويحمل رقم 436 تحت عنوان «هل المسيح هو الله»، تساءلت بكل وضوح كيف يمكن للعقل البشري المحدود أن يحد من قدرات الله غير المحدودة؟ وكيف نسمح لمثل هذا العقل المحدود أن يتعامل مع قدرات الخالق غير المحدودة بهذه الكيفية غير المتوازنة بما ينفي عن أصحابه تمتعهم الفعلي بعقول نابضة صحيحة تدرك محدوديتها ومحدودية قدراتها الإنسانية أمام القدرات الأزلية الأبدية لله الحاضر الدائم في كل زمان ومكان؟
وعلى الذين يرفضون فكرة التجسد الإلهي للسيد المسيح أن يعيدوا النظر فيما يعتقدونه لأسباب منطقية عديدة منها:
1- عدم استحالة الفعل مع وجود القدرة على تنفيذه من جهة الله العلي القدير على كل شئ.
2- النظر إلى دوافع الفعل وأسباب القيام به من منطلق إيماننا بأن «حكمة الله عند الناس جهالة»
3- ضرورة القيام بالفعل المُخطط القيام به منذ بدء الخليقة وقبل بداية ارتكاب الإنسان للخطيئة الأولى للمعرفة السابقة لله بحدوثها من قبل حدوثها من الإنسان ولم يتدخل لمنعها لأنه خلقنا أي خلق الانسان على صورته وكمثاله ومنحه حرية الاختيار والتفضيل بين الوقوع فيها أو التغلب عليها مع الأخذ في الاعتبار حجم محبة الله للإنسان من خلال قيامه بإعداد خطة الخلاص الإلهي لتحريره وتخليصه من عبودية الشيطان من خلال ارتكابه لكل اشكال الخطايا والمعاصي التي تُغضب الله ولكنها أبداً لم تنجح في حجب محبته أو في تقويض رحمته تجاه هذا الإنسان.
وإذا عدنا للسبب «رقم 1» سنجد بشئ من التعمق والتأمل عدم استحالة فعل التجسد، وهو الفعل الذي حققه الله من خلال تجسد كلمة الله أو كلمته (السيد المسيح) في احشاء السيدة العذراء بروح الله ومن روح الله أي بروحه ومن روحه الذاتية دون أي تدخل بشري من أي طرف أو شخص آخر، اي (بقدرة الله المطلقة على اتخاذ القرار مع القيام بتنفيذه).. ولو تمعَّنا في سورة النساء في الآية 171 ، سنجد أن الآية تقول «إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته آلقها إلى مريم وُروح منه « وكلمة الله كانت دائما وأبداً قديماً أو حديثاً بمثابة رسول من الله للإنسان عبر كل العصور من خلال الأنبياء والقديسين، إلا أنها لم تكن في أي يوم من الأيام بهذه الصورة الفريدة وبهذا الشكل الاختصاصي إلا مع السيد المسيح لأنه لم يظهر نبياً سواء قديماً أو حديثاً إلا من خلال علاقة معاشرة إنسانية بين ذكر وأنثى.
وهو ما يجعل نتاجها خاضع للخطيئة الأصلية كما خضع ويخضع لها كل إنسان على وجه الأرض إلا السيد المسيح، الأمر الذي يؤكد عدم خضوعه للخطيئة الأولى للإنسان كأي إنسان وهو ما يجعله مبدئياً فوق النموذج الإنساني المعتاد كجسد طاهر من كل خطيئة، وهنا لابد أن نتوقف قليلاً لنطرح على أنفسنا هذا السؤال ألا وهو، لماذا تميز ميلاد السيد المسيح عن دون خلق الله جميعاً؟ والجواب بسيط لأنه يعني تجسد الخالق بذاته كونه كلمة الله أو كلمة الحياة الذي خلق بها هذا العالم بكل ما فيه ونعرفه أو لا نعرفه عنه!
و للحديث بقية مع محبتي ونعمة الله وسلامه للجميع