بقلم المهندس: هيثم السباعي
تذكير: لا تهدف هذه الدراسة الطويلة نسبياً إلى تخوين أواتهام أحد بالمسؤولية عن ماحدث ويحدث في منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي عامة وسورية خاصة. ولكنها تهدف إلى إلقاء نظرة موضوعية عن أسباب هذه الأزمات وتطورها المستمر حتى وصلت إلى ما وصلت إليه من تدهور وتفرقة وتمزق شمل جزءاً كبيراً من العالم العربي.
نكمل اليوم حديثنا عن العصر العثماني بتلخيص أهم خصائصه وتداعياته:
ث) العصر العثماني (تتمة):
أود قبل ذكر تلك الخصائص أن ألفت كريم أنظار السيدات والسادة القراء إلى نقطتين هامتين من خصائص تلك المرحلة التي تهم موضوعنا. النقطة الأولى هو أن التدخلات الأجنبية في المنطقة بدأت في تلك الحقبة وبتشجيع من الأستانه كما أن النظام الطائفي في المشرق العربي تأسس وتوطد في ظل ذلك العهد، أيضاً.
١. اختلف العهد العثماني إختلافاً نوعياً عن دولة المماليك لأنه أقام نظاماً أجنبياً عاصمته خارج الأراضي العربية ولغته وقيمه وسلوكياته غير عربية. سخر النظام العثماني على مدى أربعة عقود قدرات العرب الخاضعين لسلطانه لمصلحة شعبه، بينما كانت هذه القدرات تستخدم في الأرض العربية في عهد المماليك.
٢. طور العثمانيون “نظام الملل” المملوكي بإعطاء القيادات الروحية المسيحية واليهودية سلطة إدارة شؤون أتباعها. زادت فعالية وأوامر البطاركة والحاخاميين مع تدهور فعالية السلطة المركزية للدولة في اسطنبول، وسلطات ممثليها الأتراك في الولايات العربية. ويذهب الباحثون ومؤرخوا العهد العثماني إلى أن النظام الطائفي في المشرق العربي تأسس وتوطد في ظل ذلك العهد.
٣. منح السلطان سليمان القانوني ملك فرنسا فرانسوا الأول إمتياز “حماية” المسيحيين في الإمبراطورية العثمانية، ثم توسعت هذه الإمتيازات وشملت حماية اليهود فشكلت مدخلاً للإختراقات الأوروبيه في الولايات العثمانية عامة، والعربية منها خاصة.
كما سمح السلطان سليمان للإرساليات التبشيرية الكاثوليكية والبروتستانتية بالتزايد والتي حاولت اكتساب أتباع جدد على حساب الكنائس الشرقية العربية، ما أذكى الصراعات الكنسية في المشرق العربي وأشاع التعصب الطائفي في أوساط المسيحيين العرب. وقد وزعت الدول الأوروبية فيما بينها مسؤولية “حماية” الطوائف العربية، بحيث أصبح بموجبها الكاثوليك تحت حماية فرنسا والنمسا والأورثوذوكس بحماية روسيا بينما تقوم بريطانيا بحماية البروتستانت واليهود.
سأحاول بمنشور اليوم إضافة إلى منشور آخر وربما إثنين على الأكثر أن أنهي هذه العمل، راجياً أن أتوصل في نهايته إلى إلقاء الضوء على أسباب التحول المذكور بعنوانه.
قبل أن أستأنف الحديث عن الموضوع أرجو أن لا تنسى السيدات والسادة القراء أهم النقاط السلبية التي ذكرت في المقالات السابقة، والتي شملت الموروثات المختلفه منذ ظهور الإسلام حتى نهاية العصر العثماني. وقد رأينا أهمية المنطقة الجيوستراتيجية والصراع العنيف بين الدول الإستعمارية وعلى رأسها بريطانيا وفرنسا، للسيطرة عليها، ولا ننسى روسيا التي كانت، ومنذ عهد القياصرة تتطلع دائماً للوصول إلى المياه الدافئة.
ح) الصراع على المنطقة:
قال استراتيجي معروف أعتقد إذا لم تخني الذاكرة هو الدكتور نبيل خليفة أنه يدعو منطقتنا القارة السادسة لأن السيطرة عليها يسيطر على ثلاث قارات في نفس الوقت.
كما قرأنا في سياق المقالات السابقة أن الصراع والتدخل في شؤون المنطقة بدأ في بواكير العهد العثماني، وتحديداً في النصف الثاني من القرن السادس عشر. كالعادة كانت الدبلوماسية البريطانية أول من شعر بضرورة عمل شيء ما من قبل الدول الإستعمارية للسيطرة على المنطقة. بناء على ذلك، قام رئيس وزرائها “كامبل بانيرمان” في عام ١٩٠٧ بتشكيل لجنة خبراء في عدة حقول، من بريطانيا وفرنسا وبلجيكا وهولندا والبرتغال وإسبانيا وإيطاليا. من اللافت بتشكيل هذه اللجنة غياب ألمانيا لأسباب لم أتمكن من معرفتها وكأنها اتعبرت، منذ ذلك الحين.
كانت مهمة اللجنه المذكورة دراسة أحوال الدول الأوروبية، خاصة الإستعمارية منها، والتي قاربت حسب رأيه حافة الزوال.
في العدد القادم سنتحدث عن أهداف تلك اللجنه واستنتاجاتها وتوصياتها. حتى ذلك الحين وبمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك، أتمنى للجميع أجمل التهاني بعيد سعيد مبارك مع أخلص التمنيات بالصحة والسعادة