بقلم: كلودين كرمة
صراع مستمر بين القلب والعقل اى بين العين والشعور… دائما ما تكون هناك فجوة بينهما إن اتسعت أو ضاقت فهما لا يمكن ان يتطابقا وإلا لما يولد إحساس غامض ودائم بالريبة و التحفظ مع القلق و توقع الالم . إن العلاقات الإنسانية معقدة إلى أبعد الحدود .. عند اللقاء سعادة وبسمة وتفاؤل يصحبهم نوع من الخوف إما من الحرمان من هذه السعادة إما من تحول النفوس أو تتطرف الأفكار أو تعارض المصالح فى مرحلة ما من هذه العلاقة وفى هذه المرحلة يبدأ الصراع مع النفس هل أضحى بصديق العمر أو أخى إو زوجى أم أضحى بما يسمى- المصلحة- إن كانت مادية او طمعا فى منصب أو فرصة لا تعوض من شأنها أن تغير مسار الحياة.
وهناك ايضا صراعات بين الإنسان ونفسه وتتمثل فى الاختيار بين راحة باله واستقراره النفسى إما مواصلة العمل والكفاح اذ يحققان له الاستمرار فى زيادة الأموال زيادة مطردة ، والتطلع إلى التواصل مع من هم فى السلطة حتى يتغلب على كافة المصاعب التى يمكن ان تعترضه ، وهذا من شأنه أن يحنى نفسه تحت ضغط عصبى شديد اذ عليه دائما توخى الحذر وانتقاء الكلمات والتدقيق فى إختيار “أصدقاء” العمل حتى لا يستغل احدا ذلة لسان أو نقطة ضعف حتى يهدم مابناه ويحظى هذا الأخير بمكانة أعظم كانت تتوق نفسه للحصول عليها. وعلى صعيد أخر ؛ وفيما يخص كينونة الإنسان وعواطفه و أحاسيسه ، فهى للأسف تخضع لهذا الصراع عينه ، صراع مابين القلب والعقل ، فما يشعر تجاهه بانجذاب ليس من الضرورى أن يكون فى مصلحته ؛ ومن يسبقه قلبه اليه ليس بالضرورة أن يكون هذا هو الشخص المناسب له؛ فهي مسألة – حسابية -فى غاية التعقيد ، لانها تمس روح الشخص ونفسه وكذلك أعماقه وهى فى رأيى ميزان حياته ، فإن فشلت نتائجها فإنها تسلبه معنى الحياة وبهجتها ونراه يجر أذيال خيبته ، وتأخذ روحه منه كما يسحب البحر مع رجوع أمواجه ما قبله على الشاطئ فتغوص فى الأعماق ولا نستطيع العثور عليها مرة أخرى فتترك أثرا بالغا فى النفس و علامة غائرة لا يمكن للزمان أن يداويها وتحدث تغيّر بيّن وواضح فى شخصيته وسلوكه وحكمه على الأمور غالبا ما يكون مرهونا لتجربته المريرة فيصدر حكما قاسيا على نفسه وغيره وكأنه ينزل العقاب على من حوله ويجلد نفسه لسوء اختياره. وإذا فى يوم من الأيام أراد أن يمحو هذه الآثار ويداوى غدر الزمان من صديق أو حبيب ، فإنه من الصعب أو من المستحيل أن يتخلى عن حذره فدائما أبدا يضع فى حسبانه التعرض للإساءة أو الغدر ويتوقع الأسوأ ؛ فالمحاولة للبداية من جديد كأنه يلجأ إلى عملية تجميل لقبح الزمان ولذلك يبقى فى دفين نفسه ذكرى أليمة ولكنها لا تظهر أبدا لمن حوله إذ يحاول بمهارة إخفائها ومحاولة إقناع نفسه أنه مجرد سؤ حظ أو عدم خبرة .
. ولكن فى النهاية النتيجة واحدة أنه يُخضع مشاعره ليس لعقله أو التفكير المجرد ولكن لحسابات خاصة توائم ظروفه وسماته المكتسبة من تجاربه الحياتية .. ولا ننكر أن هذا مطلوب في بعض الأحيان حتى لايصير الإنسان فريسة لمن تسوله نفسه لخداع البشر ؛ ولكن الخطورة تكمن فى أن يصاب بالبخل الشديد فى المشاعر و الاهتمام ويكون غضبه كهطول الأمطار بقسوة على من لا يستحق ، اذا تساوره الشكوك ويتعقبه الخوف فيحاول أن يحصن نفسه فى قلعة يصعب معها الوصول الى قلبه و الفوز بالحب الذى لا ينتابه الريبة وصفاء النفس التى لا تشوبها شائبة ، فدائما يعيش ما بين وبين ،غير محدد الملامح تائه فى حصنه ، يبغى الاندفاع فى مشاعره والتعبير عن حبه بكل ما أوتى من قوة ولكن شيئا ما بداخله يمنعه بقوة تعادل تلك الرغبة فى إعلان شوقه بل تفوقها فيعجز لسانه عن النطق بما تصرخ به أعماقه ؛ وتظل صورة الحب باهته تنتظر أن تستعيد ضيائها وبهائها كما تنتظر المياه وقوع أشعة الشمس عليها ، التى برغم قساوتها إلا إنها تحول سطحها إلى حبات من الألماس تبهر من يقع نظره عليها حتى إنه لا يستطيع بسهولة تحويل عينيه عنها وكأنه يطبع منظرها الخلاب فى ذاكرته حتى كلما حل الظلام يسترجع تلك الصورة البهية التى تمحى قسوة الأيام .