بقلم: سونيا الحداد
يعيش لبنان اليوم ثورة لم يعرف لها العالم العربي مثيلًا في تاريخه. ينتفض هذا الشعب الذي عانا وما زال أمر الويلات والقهر والظلم، انتفاضة الفينيق يولد مجددا من جمر النار ليحلق في سماء النور والجمال والحرية، هويته الأزلية!
شعب لبنان الأبي الذي عاش حرًا رسول الجمال والعلم والنور، الذي ذبح تحت غطاء الصمت وهجر من ارضه وانتهكت أعراضه من أجل مصالح إقليمية، دولية وداخلية لم ترحم من في المهد ولا اللحد. حرب عاشت على تغذية النعرات الطائفية من قبل عملاء باعوا الأرض والهوية، زرعوا الرعب والحقد في قلوب ابنائها وهم يتفرجون على النار تحترق يولعون بها سيجارهم، يقبضون على الرؤوس ويتقاسمون الأملاك، البحر، والهواء وكل ما يمكن لعقل بشري أن يتفنن به من انتهاكات ستهز ضمير العالم يوم تُكشف حقائقها.
٤٦ سنةً من السلب والتآمر باسم الله ولم يكتفوا، ولم يشفقوا ولم يخشوا الله ولا حتى انّبهم ضميرهم، هذا لو تواجد لديهم ما تبقى من ضمير. لم يتورعوا عن طمر البلاد بالنفايات بانتظار الحصص الملائمة، حرموا اجيال بأكملها من ابسط مكونات الحياة، وفتحوا الأبواب على مصراعيها للمهجرين دون خطة عمل وطنية، ولكل المتعصبين دينا وكرها يعيثون الفوضى في رحابه ساعة الطلب ولا يتورعون عن شتم شعبه واهانته بكل الطرق والتآمر عليه. شعب أرادوا له الجنون والموت يأسا ولكنهم أخطأوا الحسابات هذه المرة.
٤٦ سنةً من العهر كانت كافية ان يجعلوا من طير البلبل صقرا جارحا، من فراشة النور شعلة تحرق كل من يتجرأ النظر اليها. اليوم هذا الشعب هو من يقول كلمته الأخيرة. هو الذي يقرر مصيره، هو من يضع الخطوط الحمراء. هذا شعب عرف طعم الدماء والدموع، طعم الموت ولون الكسوف. من تحت الرجمة ينهض يدا واحدة متشابكة، تحمل علم لبنان وحده هوية له، تحلف اليمين ان الحق هو الذي سينتصر وجميع الفريسيين سيدفعون الثمن… لم يعد للجريمة من مهرب.
نعم انه لبنان لا تنسوا ابدا. انه المنارة التي تنير العالم ومنابره. انه الشعب الذي يستحق الحياة وتليق به، انه الشعب العنيد الذي يعرف كيف يحول مأساته الى ملحمة بطولية تكسر جميع القواعد البالية صارخا نشيد التحرر من سراويل الجهل، التعصب والتخلف، نشيد الحرية، منبع كل ابداع وحياة. من يضاهي هذا الملك الفينيقي في مساره؟
هنيئا لك لبنان انتفاضتك البطولية هذه نموذجًا لعالم ينؤ تحت عبء العقول الهمجية!… اكمل المسيرة ولا تتوقف ابدا. متى استعاد الفينيق رمق الروح، السماء وحدها هي حدوده… حلق ايها الفينيق في سماء ارضك المقدسة وانشر المحبة والسلام، ارقص رقصة الحرية، رقصة القيامة الأزلية!