بقلم: سونيا الحداد
ايتها الصحراء اعتقي الأرواح وارحمي عطشها الى ماء الحياة. رمالك باتت موبؤة بسموم العقارب والأفاعي والجرذان يتعاركون ويتآمرون على وليمة الديدان. أطفالك يسيرون هزيلين فارغي الجوف والأعين في قوافل الموت والغربان. شبابك الظمآن تائه في كثبان بطولاتك وأمجادك، يبكي الأطلال كسراب بقيعةٍ يحسبونه ماء حتى إذا جاؤوه لم يجدوا شيئا. خمسينياتك تتكاثر غضبًا وانتقاما، خوفا من سيمفونية الصبار. صبار ينبت يوما بعد يوم تحت خطوات التائهين المظلومين الأبرياء، يتغذى من احلامهم التي تخنق في مهدها، من دعواتهم على عدالة السماء، من نجاسة المؤامرات وجشع الغلمان. يرتوي من آبار الدموع المدفونة في أعماق جوفك كما تدفن الأسرار. أسرارترتعد لها السماء. أسرار منها يولد الصبار ويتكاثر غابات صلبة تتحدى الزمان وآكلي الديدان. أشواكها حادة ومؤلمة لا ترحم ولا تسامح كل من سمحت له نفسه المساس بها، لكن جوفها ينبض حنانا ورحمة كالكوثر يروي الظمآن.
من هذا الصبار ستنبت يوما الزهور. زهور تضاهي النور في سناه وتحي الروح جمالًا وصفاء. زهور ستفضح كل الأسرار وتجعل من الصحراء جنة الأكوان. جنة لا مكان فيها للحشرات والطفيليات ولا ضاربي الأعناق. ستملئ الفضاء بالطيور والفراشات وكل من يود أن يفرد جناحيه سعيا الى تخطي حدود السماء. نعم، من بين هذه الأشواك ستولد سيمفونية الصبار تكرّم ولادة الحرية. ملكة تبلسم الجراح وتطيب ذكرى من راح، وعلى رؤوس الأشواك ستعلق اجساد الديدان وكل عقرب وثعبان.
العبي ايتها الزهور سيمفونية الصبار، سيمفونية الجمال والحياة وغطّي على عويل الصحراء الحزينة، المهانة والمشردة التي كانت يوما هي الجنة قبل أن تتآكلها بيوض البق والنمل واعداء الإنسان. كم احب نغمك وكم تاقت له أرواحنا! هو وحده سيكون عدالة السماء وهل يوجد أقوى من عدالتها؟