بقلم : شريف رفعت
أنقاد إلى الكازينو إنقيادا، بعض الأقارب و الجيران يدفعونني دفعا داخل المبني الكبير المزدحم، معهم أيضا مندوبا من الحكومة و رجل شرطة لا أدري ما الذي جاء بهما و ما دخلهما، أحاول التملص لكني لا أستطيع، أحتج أصيح أن المقامرة ليس من طبعي و لا أود ممارستها، لكنهم يستمرون في دفعي للداخل و هم ينظرون لي كأني معتوه. أدخل الكازينو، أنوار و موسيقى و زحام، ناس كثيرون، رجال و نساء من مختلف الأعمار و الخلفيات، تدفعني المجموعة المصاحبة لي إلى مائدة «الروليت»، لم أقامر في حياتي من قبل، بل لم أعتب أي كازينو، الموقف غير مريح و غريب و سخيف، لكني منقادا لا فكاك لي، أنظر إلى الوجوه حول المائدة، لاعبو الروليت، بعضهم يبتسم، لاشك هؤلاء من فازوا، آخرون، كثيرون تبدو نظرات التعاسة على وجوههم، غيرهم مـُغـَيـَبون لا تدري ما حقيقة مشاعرهم. أحملق في موظف الكازينو الذي يشرف على لعبة الروليت، من يدير مؤشر اللعبة كي يستقر على الرقم و اللون الفائزين، يسمونه «الديلر»، وسيما أنيقا متحزلقا دائم الإبتسام و الكلام كي يحث الناس على المقامرة، لا أرتاح له، يبدو زائفا، في الواقع يبدو شريرا رغم مظهره.
مشاعر متضاربة تنتابني، أود الهرب، أتمنى أن أعود الآن إلى منزلي، إلى حجرة نومي، أن أأوى لفراشي الوثير و أجذب الغطاء على جسدي، لكني هنا في الكازينو، مـُسـَيـَرْ أنا، هنا رغم أني لا أرتاح للمقامرة، لأسباب دينية و الأهم أسباب عقلانية، أؤمن تماما أن فرص الفوز ضعيفة، لكن رغم ذلك هناك إغراء داخلي، هناك دافع خفي يشجعني، يقول لي فلتجرب، مبلغ محدود فقط في البداية، حتى لو خسرته ستستمتع بالإثارة، الإثارة ستساوي المبلغ الذي ستخسره.
منقادا، أمد يدي في جيبي، أخرج كل ما به، أضعه على أحد الألوان المـُرَقـّمـَة، إختياري عشوائي قـَدَري فلا مجال للتفكير هنا، لا مجال للإختيار المنطقي، يبتسم لي «الديلر» مشجعا، باقي المقامرين وضعوا رهاناتهم على المائدة، تدور الروليت على أنغام الموسيقى الصادحة و تحت الأنوار الساطعة. هناك جو عام ممكن أن يكون جميلا و مثيرا و مسليا أحاول أن أستمتع به لكني لا أستطيع، أبتسم لمن حولي، لرِفْقَتي، لكني في أعماقي غير مرتاح و غير مقتنع و أرغب في الفرار، لماذا أبتسم إذا؟ لا أدري، هل هو إعتبارا للذوق العام، هل لأني لا أرغب في أن أكون مصدرا للنكد، أن أكون صوت العقل الذي يقود للنكد. يبطئ دوران مؤشر الروليت بالتدريج، أنفاس المقامرين تلهث في ترقب و إثارة، أخيرا يقف المؤشر، و يا فرحتي يقف على الرقم الذي إخترته، العديد من المقامرين الخاسرين يظهر القنوط على وجوههم، «الديلر» بعصاه الطويلة يزيح المبلغ الذي ربحته و يضعه أمامي، ربحت أضعاف ما قامرت به، أود أن أصيح و أقفز فرحا، لكني أكتم فرحتي حتى لا أبدو معتوها وسط الجمع فلا أحد يفعل ذلك هنا.
أجمع أرباحي و أضعها في جيبي و أهم بالإنصراف، لكن رفاقي أقاربي و جيراني و ممثل الحكومة و رجل الشرطة المصاحبين لي يستنكرون ذلك، يحثوني على الإستمرار في المقامرة، أصواتهم تعلو، دوافعهم تبدو لي غير منطقية، أيضا أي سلطة يملكون كي يـُمـْلون علي رغباتهم، أحاول أن أشرح لهم موقفي و أني سعيد بما ربحت لكني سأكتفي بذلك و أرغب في الإنصراف، لكنهم لا يقتنعون، أعبر لهم عن عدم راحتي للموقف برمته، على دخولي الكازينو من البداية، عن مقامرتي و التي إنتهت حتى الآن نهاية سعيدة، مرّة أخرى أكرر رغبتي في الإنصراف، في العودة لمنزلي، في الإنسحاب من هذا الزخم الغلاب، يستمرون في الرفض، أتساءل أي سلطة لهم كي يرفضوا، إنها حياتي أنا، أنا من سيقامر، من قد يربح و في الغالب سيخسر، فما سلطتهم هم. موقفهم أصبح متشددا، ينهروني على رغبتي في الإنسحاب و الأنصراف، بتهمونني بالسلبية و الجبن، مندوب الحكومة و الشرطي بدا عليهما أنهما سيستخدمون القوة في إخراج المال من جيوبي و وضعه على مائدة القمار، أتجنب العنف، أنصاع، أخرج كل ما في جيوبي ما ربحته بالإضافة لمبلغي الأصلي و أضعهم بنفسي غلى مائدة القمار، يبتسم الرفاق لي مشجعون، «الديلر» ينظر للمبلغ مبتسما في جشع، تدور الروليت، الموسيقى صادحة و الأنوار ساطعة، و الحضور يترقبون، الروليت تدور ثم تبطأ بالتدريج بينما في أعماقي مشاعر متضاربة يغلب الرعب فيها على الأمل.
يتحول لكتلة من اللهب.