کان سؤال الصحفي الفرنسي، للرئيس الجزائري الراحل «هواري بومدين»، هكذا:
«لماذا لم تختر أحداً لمنصب نائب رئيس الجمهورية؟!»..
جاء رده سريعاً، إذ قال:
«في الجزائر لا نحتاج إلى نائب رئيس، فبمجرد وفاتي أو ابعادي، ستجد الجزائريين يقفون طوابير من أجل السلطة»!
لا زالت تلك الإجابة، التي قيلت في السبعينيات من القرن الماضي، كما هي لم تتغير، كشيء من التأكيد على جاذبية السلطة، وينبطق عليهم وصف «فريدريك نيتشه»، عندما قال:
«ها هم يتسلقون تمثال الدولة من كل ناحية، كالقردة»!
وبينما نحن نشاهد طوابير المرشحين، الذين يتنافسون على نوال كرسي الرئاسة، يدعوننا إلى خلق اللحظة العظيمة في تاريخهم الوطني، وأن نتخيل فقط ما يمكن أن يحققونه لنا في الغد!
ولأن الأمر الوحيد الذي ينبغي على «المواطن» أن يتوقعه حقاً في الأعراس الإنتخابية، هو أنها تتحدى كل توقعاته، إلى حد الخوف من الذين قد يقتلون أحلامه!
نجد ذلك، إذ نادراً ما نراهم في أمامية الصورة!
ونجد ذلك عندما أبتكر الأمريكان، مرضاً نفسياً للمعارضين لسياستها: «اضطراب العصيان المعارض»!
لأنهم، كما قال “جورج واشنطن” لوالده: “تريدني أن أمتنع اطلاقاً عن الكذب؛ فكيف تريدني أن أصبح رئيساً؟!”.
لذلك أجدني طارحاً هذه التساؤلات:
هل الرئاسة تمنح الشرف للإنسان، أم أن الإنسان هو الذي يمنح الشرف للرئاسة؟..
هل الرئاسة فخامة ووجاهة، أم مسئولية عظمى لا يليق لحاملها أن يغسل يديه منها، وأمانة في عنق الرئيس القادم، الذي سيعطي، يوماً ما، حساباً عن وكالته أمام الله؟..
هل يطلب المترشح، العز، والجاه، والسلطة، أم الحكمة، والتدبير؟..
لقد رأى سليمان في بدء حكمه، حلماً، سأله فيه الله عما يطلب، فلم يطلب غنی، ولا عظمة، ولا طول أيام، بل طلب، قائلاً: «اعط عبدك قلباً فهيماً لاحكم على شعبك، وأميّز بين الخير والشر؛ لأنه من يقدر أن يحكم على شعبك العظيم هذا؟»!
إن القلب الذي يحمل للقريبين من كلامه، الإجابة الصادقة المخلصة، لهو قلب قادر على إلهام هؤلاء المواطنون؛ لكي ينهضوا، ويقولوا بصوت عالٍ: نعم، أو: لا، وإلا وجدنا أنفسنا نمتنع دائماً عن التصويت؛ لكي نُجنّب أنفسنا الشعور بالمسئولية عن أي شيء يجري في مقار الحكم والسلطة!…