بقلم : ﭽاكلين جرجس
تمر الأيام والسنوات و كأن ما حدث فى الرابع و العشرين من شهر أبريل عام 1915 كان أمس تدق الأجراس فى بهو الكنائس الأرمنية لتعلن عن الذكرى السابعة بعد المائة لمذابح الأرمن ذلك الشعب القوى المثابر الذى تعرض خلال المذبح إلى تدمير متعمد للتراث الثقافي ؛ فأرمينيا بلد الثقافة العريقة هى المتحف المفتوح في الهواء الطلق و وادي آرارات هو القاعة الرئيسية لذلك المتحف، وقتها لم يكتف الأتراك بطمث و تغيير المعالم الثقافية فقط بل والدينية والتاريخية أيضًا حيث تم تدمير الكنائس والأديرة الأرمنية في حين تحول بعضها إلى مساجد ودمرت المقابر الأرمنية، في العديد من المدن ،فقد عانى الأرمن في ظل الحكم العثماني من الضرائب الباهظة والتمييز و الهجمات المسلحة، حتى أنهم كانوا لا يستطيعون الإدلاء بشهاداتهم في المحكمة بالنيابة عن أنفسهم ، و في أواخر القرن 19 تأثرت السياسة المتزايدة بتراجع الإمبراطورية العثمانية ، و مع صحوة الأرمن توجت سلسلة من المجازر في جميع أنحاء المحافظات الأرمنية في 1894-1896. ، كان آخر سفك للدماء مكانه في أضنة حيث 30000 أرمني فقدوا حياتهم بعد مقاومة يائسة؛ بينما قدمت الحرب العالمية الأولى فرصة جيدة للحكومة العثمانية “الشباب الأتراك لحل المشكلة ، ففي عام 1915 أمر توجيها عسكريا سريا للاعتقال والإعدام الفوري لزعماء الطائفة الأرمنية، كان يتم فصل رجال الأرمن الذين يخدمون في الجيش العثماني من باقي الجيش أثناء الراحة و يتم ذبحهم ، بعدها قررت حكومة اسطنبول ترحيل السكان الأرمن، وقد سار الارمن في البلدات والقرى في صحاري سوريا وبلاد ما بين النهرين والجزيرة العربيةو فى أثناء الترحيل القسري عانى العديد حتى الموت ،فكانوا يطعنون بالحراب ، و يدفنوا أحياء في الحفر ، وغرقوا في الأنهار ، وقطع رؤسهم و اغتصاب و خطف الحريم انتهت بالإنهاك الحراري والمجاعة، فقد لقى حوالى 1.5 مليون شخص حتفهم في هذه المذبحة الأولى من القرن 20. فحدثت موجة أخرى من المذابح في باكو (1918). شوشي (1920) وغيرها.
وهرب بعضهم إلى مصر التى لقد كانت عبر التاريخ صاحبة أدوار إنسانية رائعة دومًا في ردود أفعالها عقب حدوث مثل تلك الكوارث ، وهي دائمًا الملاذ الأمن لكل من لجاء إليها ، فقد استقبلت جموع الأرمن وقامت بحمايتهم من طعنات الغادرين ؛ كانت هى الوطن البديل لمن لم تسعهم اوطانهم في ظروف تاريخية ما ،و حتى لا يخدعك قائل بأن تلك القصص هى مجرد روايات و أحداث من نسج الخيال كأنها مشاهد من أعمال درامية أو سينمائية لا تمت للواقع بأى صلة ، يبقى التوثيق خير دليل و أثبات على بشاعة الأحداث حيث توجد ملايين الوثائق التى أرسلها الدبلوماسيون الغربيون بالأستانة والولايات العثمانية إلى وزراء الخارجية التابعين لها: بريطانيا، الولايات المتحدة، فرنسا، ألمانيا، النمسا، روسيا وغيرها. وهذه الوثائق توثق لحظة بلحظة ما جرى للأرمن من انتهاكات واضطهادات وملاحقات وتعذيب واغتصابات. باختصار، توثق كل المآسى التى ألحقها الأتراك والأكراد بالشعب الأرمنى الأعزل. وفى العالم العربى عمومًا ومصر خصوصًا، آلاف الشواهد الدالة على فظاعة الجرم التركى بحق الأرمن والإنسانية، يوجد سيل من الصحف العربية التى سجلت يومًا بيوم آلام الأرمن والمذابح التى تعرضوا لها حتى انتهت بالإبادة فى عام 1915. ويكفى تصفح جريدة “الأهرام” منذ أن صدرت فى 5 أغسطس 1876 حتى نهاية مؤتمر لوزان 1923 ليدرك بنفسه حجم الكوارث التى أصابت الأرمن، كما جاء بالصفحة الأولى من الجريدة المصرية “ اللطائف المصورة “ فى العدد المائة و ثلاثة و ثمانون لعام 1918 تتكلم الصحيفة في صفحتها الأولى عن أهوال المذابح الأرمنية الأخيرة و نشرت الصحيفة عدة قصص من أحداث حدثت مع أناس أرمن في إحدى المذابح.و ذكرت الصحيفة في عنوانها عبارة المذابح الأخيرة لأن المذابح كانت متكررة بشكل متسلسل في فترات عدة أولها مذابح الحميدية و التي كانت قبل ١٩٠٠ أي ١٨٩٤-١٨٩٦و بعدها مذابح الكبرى في ١٩١٥ و التي استمرت حتى قدوم أتاتورك إلى الحكم و هذه المذابح خلال هذه الحقبة الزمنية يطلق عليها عبارة الإبادة الجماعية الأرمني و التي راح ضحيتها قرابة مليونين من الابرياء .
كما كان هناك أيضًا الكّتاب الأحرار والشرفاء الذين رفضوا انتهاك الإنسانية بهذه الصورة النكراء، نذكر من هؤلاء مصطفى لطفى المنفلوطى الذى كتب فى النظرات “لا همجية فى الإسلام”، ولى الدين يكن التركي الجنس العربى الهوية الذى كتب المجهول والمعلوم، فكرى أباظة الضاحك الباكي “سليم البشري” شيخ الجامع الأزهر الشريف فتوى بتحريم قتل الأرمن لأن هذا يلحق العار بالإسلام والمسلمين، والدين الإسلامى الحنيف ليس به أى نص يحض على قتل المخالفين فى الدين. وفى نوفمبر 1916، أصدرت جريدة المقطم القاهرية كتاب المحامى السورى فايز الغصين وعنوانه المذابح فى أرمينيا، وهو أول كتاب فى العالم بتحدث عن هذه المذابح ويفضح الانتهاكات التركية، ويبرئ الإسلام من الحض على ارتكاب المذابح والإبادات فى حق البشر الأبرياء ، لا تزال وقائع تلك الأحداث تلقي بظلالها على علاقات أنقرة الخارجية حاملة في طياتها آلام ومعاناة الشعب الأرميني ؛ إلى أن بدأت تركيا وأرمينيا محادثات في موسكو لإعادة تطبيع العلاقات بينهما على أمل فتح الحدود وإقامة علاقات دبلوماسية بين سكان المناطق الحدودية على الجانبين تبعث المفاوضات الأمل في إعادة بث الحياة فيها ؛ فهل يتسنى لهم العيش فى أمان الآن بعد كل هذه الأهوال و الألم و الكوابيس التى عاشها الأطفال و الكبار؟!