بقلم: كنده الجيوش
«هل حقا كان لديكم مكتبة في المنزل!؟!!» سؤال وجهته لي فتاة صغيرة كندية من أصول صينية مهاجرة وولدت في مونتريال وهي مستغربة ولكن بشديد من الإعجاب! وكانت دهشتي اكبر من السؤال! هل المكتبات المنزلية أصبحت من الماضي … أم هل حال المهاجرين الجدد تختلف. الفتاة هي صديقة ابنة أخي وكلاهما في عمر يقارب الأربعة عشر.
ودهشتي أيضا كبيرة من ابنة أخي التي سألتني أيضا: «حقا كان بيت جدي في سوريا يحوي مكتبة!؟؟» فقلت لها:» نعم بالتأكيد.. وجدك وجدتك ونحن الأولاد كنّا قراء جيدين ولازلنا..» ونحن نسير على الطريقة القديمة بالإضافة الى قراءة الانترنت ومصادرها. انتم تقرؤون الكتب وتعتمدون الانترنت ولم تشكلوا جذور استقرار ومساحة سكنية كبيرة بعد بسبب الهجرة القريبة وإلا لرأيت مكتبة كبيرة في منزلكم لوالديك. انتم لديكم الانترنت ونحن كان لدينا الكتب والمكتبات والمراجع والمراكز التثقيفية وكانت نافذة رائعة على العالم.
وقلت لهذه الفتاة الكندية الصينية الجميلة انه من بين هذه الكتب في مكتبة منزلنا قرأت مؤلفات للكاتبة الأمريكية «بيرل باك» عن الصين مثلا. وتفاجأت الفتاة أكثر وطلبت اسم الكاتبة وقالت أنها تحب أن تتعرف على تاريخ بلدها الأم من مصادر متنوعة.
وأكاد اجزم انه لم يكن هناك بيت من بيوت أبناء الطبقة المتوسطة والمتعلمة والمثقفة في مدينتي الأولى الحسكة ومن ثم في دمشق يخلو من مكتبة وزاوية خاصة لها.. ولعل هذا يدرج على كل سوريا وكل البلدان العربية الاخرى! ومنها العريق في هذا المجال مثل مصر والعراق ولبنان وكل البلدان في منطقتنا العربية الأوسطية ولا استثني أحدا.
ومن خلال الكتب قرأنا عن الثقافات الشرقية والغربية التي كنت نعشق التعرف عليها عن طريق الأدب او التلفاز او المدرسة على حد سواء. وتعرفنا على تاريخنا العربي وعراقته وانه مصدر فخر لنا.
ومن مكتبة والدي ووالدتي وفي أعمار صغيرة تعرفنا على أنواع الأدب السياسي والتاريخي والاجتماعي والفني وغيرها من الكتابات والمؤلفات والكتاب. وتربينا من خلال الكتب قريبين من الثقافات الغربية ربما أكثر من الأقصى الشرقية وذلك بحكم التداخل التاريخي والسياسي والثقافي ووو…
اليوم عالمنا تغير وكلنا نعرف كيف غزت الانترنت معاقل المكتبات وتسببت بإغلاق العديد منها الكبير والصغير حول العالم. ولكن – والحمدلله — أن الكتب الورقية الملموسة لازالت متوفرة للجميع ولم تختفي. ولكن اعتماد الجيل الجديد عليها أصبح اقل.
وأعود الى دهشة السؤال لأنه يتضمن أمور عديدة وجوانب تتعلق بالحالة الاقتصادية للمهاجرين الجدد وكذلك طبيعة الحياة التي نعيشها.
ابنة أخي وصديقتها تقرآن الكتب الورقية التي يستعرنها من مكتبة المدرسة وكذلك تعتمدان كثيرا على الانترنت. وربما الظروف الاقتصادية للمهاجرين الجدد لا تسمح لهم باقتناء زوايا كبيرة أو غرف خاصة للقراءة – كما هو متعارف عليه لدى الأجيال الأقدم في مونتريال مثلا – وربما الأجيال الجديدة حتى غير المهاجرة حالها مع الكتب كما المهاجرين ربما لأسباب اقتصادية أو غزو الانترنت.
ولكن ما يخفف على محبي الثقافة والكتب ان الجهات المختصة بالتطوير الاجتماعي والثقافي توفر الكتب في المكتبات العامة والمدارس وحتى توضع أحيانا في خزائن جميلة خاصة على طرف الطريق لمن يريد الاستعارة.. او التبرع..
اعتقد ان سبب المقال هو دهشة هذه الفتاة وابنة أخي الصغيرة التي تعيش في مونتريال منذ عشرة أعوام… وكم تغير العالم!! وكيف كانت أهمية الكتب حتى في أيام الضعف الاقتصادي!
شكرًا للإنترنت لأنها مصدر واسع.. ورائع.. ولكن شكرًا لكل من لازال يحافظ على الصديق الورقي .. نلمسه بيدنا ونشم رائحة ورقه ونعيش مع كلماته!