بقلم / مسعود معلوف
سفير متقاعد
يواجه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب ثلاثة اتهامات جدية في كل من نيويورك وفلوريدا والعاصمة واشنطن. القضية التي يتم ملاحقته بها من قبل ولاية نيويورك تتعلق باتهامه بتزوير حسابات تبرعات حملته الإنتخابية لعام 2016 لجهة إخفاء تسديد مبلغ 160,000 دولار لإحدى بنات الهوى التي كانت تهدده بكشف علاقته معها،بغية إرضائها وإسكاتها كي لا تضر بالحملة الإنتخابية.
أما في مدينة ميامي في ولاية فلوريدا، فالإتهام يتعلق باحتفاظه في منزله الخاص، وبعد تركه الرئاسة، بمستندات حكومية سرية للغاية تتضمن معلومات عن علاقات الولايات المتحدة مع بعض الدول، علما أن الإدارة المختصة كانت طلبت منه مرات عديدة إعادة هذه المستندات التي هي ملك الدولة، ولكنه لم يفعل ذلك بل قال أنها غير موجودة بحوزته كما طلب من أحد معاونيه إتلافها. لكن مكتب التحقيقات الفدرالي تمكن من استرجاعها وسيتم محاكمة ترامب على خرق القانون في هذه المسألة في فلوريدا.
القضية الثالثة تتعلق بقيام ترامب، مباشرة وبواسطة بعض مساعديه، بمحاولة قلب نتيجة الإنتخابات الرئاسية لعام 2020 عبر الضغط على نائبه مايك بنس يوم السادس من يناير، أي يوم إعلان نتيجة الإنتخابات الرئاسية، لعدم إعلان فوز جو بايدن إذ كان ترامب يحاول الضغط على عدد من الولايات لتغيير النتائج. يجدر التوضيح هنا أنه بعد الإنتهاء من فرز الأصوات في كل ولاية من الولايات الخمسين، وبحسب الدستور الأميركي، تعين الولاية عددا مما يعرف بكبار الناخبين الذين يوازي عددهم عدد أعضاء النواب الذين يمثلون هذه الولاية في الكونغرس زائد عضوين إذ لكل ولاية عضوان في مجلس الشيوخ، ويجتمع هؤلاء الناخبون الكبار الذين يبلغ عددهم 538 في الكونغرس يوم السادس من يناير الذي يلي الإنتخابات، وذلك برئاسة نائب الرئيس الأميركي بصفته رئيس مجلس الشيوخ، والمرشح الذي يحصل على 270 صوتا أو أكثر من الناخبين الكبار يصبح الرئيس.
جدير أيضا بالتوضيح أنه، بعد فرز الأصوات في كل ولاية من الولايات، يعتبر المرشح الذي يحصل على أكثرية الأصوات فائزا بالولاية ويتم اختيار جميع الناخبين الكبار في هذه الولاية من مؤيدي هذا المرشح. وما حاول أن يفعله ترامب هو الضغط على المسؤولين في عدد من الولايات التي فاز فيها بايدن لعدم اختيار ناخبين كبار مؤيدين لبايدن بل من أنصار ترامب، وفي ذلك مخالفة للقانون وللدستور باعتبار هذا العمل اعتداء على الديمقراطية وتعطيل لإرادة الناخبين.
هذا الإتهام نفسه في العاصمة واشنطن يشمل أيضا تهمة موجهة لترامب حول تشجيع أنصاره على اقتحام مبنى الكونغرس يوم السادس من يناير 2021 لتعطيل عملية عد أصوات الناخبين الكبار من أجل عدم إعلان فوز بايدن ومحاولة قلب النتيجة لصالحه ليستمر في الرئاسة، مع علمه بأنه خسر المعركة وبايدن هو الفائز.
ومن المتوقع أن يضاف الى هذه الإتهامات الثلاثة اتهام رابع في ولاية جورجيا، حيث حاول ترامب الضغط على المسؤولين في هذه الولاية لتزوير نتيجة إنتخابات هذه الولاية وقلبها لصالحه عبر طلبه من المسؤولين “إيجاد” 11780 صوتا هو بحاجة اليها ليتمكن من الفوز في هذه الولاية. ويضاف الى كل ذلك قضايا عالقة في المحاكم أهمها شكوى من إحدى السيدات تتهم فيها ترامب بأنه تحرش بها جنسيا منذ سنوات عديدة، علما أن مسائل التحرش والإعتداء الجنسي لا تخضع لمرور الزمن.
الأمر الملفت والغريب في هذه الظروف هي أن ترامب، المرشح للرئاسة، ما زال يحصل على نسبة عالية جدا من التأييد له داخل الحزب الجمهوري، كما أن مناصريه يستمرون في تمويل حملته الإنتخابية ونفقات المحامين الذين يدافعون عنه، وقد بلغت هذه التبرعات في السنة الجارية أربعين مليون دولار ومن المتوقع أن تزيدمع الإستمرار في الحملة الإنتخابية وفي المحاكمات القادمة التي ستبدأ قريبا بعد أن صدرتالإتهامات.
لقد أعلن ترامب براءته من جميع هذه الإتهامات، كما أنه استطاع إقناع مناصريه بأنه يتعرض لحملة من قبل الرئيس بايدن الذي يجند القضاء لمحاربته لعدم تمكينه من العودة الى البيت الأبيض، وكثيرون من المؤيدين يصدقونه عندما يقول لهم أنهم هم المستهدفون من حملة الإدارة ضده. فهو يضع هذه الأمور القضائية في إطار سياسي بحت، وهذا ما يساعده على الإحتفاظ بنسبة عالية من المؤيدين في الحزب الجمهوري.
الأمور كما تبدو الآن من ناحية التأييد لترامب في الحزب الجمهوري ايجابية إذ أنه متقدم بصورة كبيرة جدا على سائر المرشحين من الحزب الذين يبلغ عددهم أربعة عشر مرشحا، ولكن ما زال هنالك مراحل كثيرة قبل الوصول الى الإنتخابات العامة التي ستجري يوم الثلاثاء في الخامس من شهر نوفمبر 2024، وعلى ترامب أن يحصل أولا على تأييد الحزب الجمهوري له ليكون المرشح الوحيد للحزب في تلك الإنتخابات.
في الثالث والعشرين من شهر آب/أوغسطس الجاري ستحصل أول مناظرة بين المرشحين في الحزب الجمهوري في ولاية ميلووكي، ولا شك أن منافسي ترامب سيحاولون لفت انتباه الناخبين الى الصعوبات القضائية التي يواجهها ترامب ولكنهم سيحاولون عدم التهجم عليه مباشرة كي لا يستاء منهم مؤيدوه إذ أن كل مرشح يحاول إقناع واستجلاب أكبر عدد من الناخبين الجمهوريين لكسب تأييدهم في الإنتخابات التمهيدية للحزب التي ستجري بعد سنة من الآن والتي يتم من خلالها اختيار مرشح الحزب الذي سيواجه مرشح الحزب الديمقراطي والذي سيكون على الأرجح الرئيس بايدن نفسه.
المناظرة الثانية بين مرشحي الحزب الجمهوري ستحصل بتاريخ 27 أيلول/سبتمبر هذا العام ولا يعرف أحد إن كان ترامب سيتمكن، بالرغم من المشاكل القضائية وانشغالاته في الدفاع عن نفسه أمام القضاء في كل الإتهامات الموجهة إليه، من الإستمرار في طليعة مرشحي حزبه ليكون المرشح الجمهوري في الإنتخابات العامة.
لقد ابتعد عن ترامب عدد من أعوانه ومن كبار المسؤولين في عهده بعد إصراره غير المبرر على أنه هو الذي فاز في انتخابات 2020، والإستمرار في الترويج أن بايدن دخل البيت الأبيض بسبب التزوير الذي حصل في العمليات الإنتخابية على نطاق واسع جدا، ولكن هنالك نسبة لا بأس بها من مؤيديه الذين يصدقونه، وهم جاهزون للقيام بأي عمل ممكن لدعمه ومساعدته على العودة الى البيت الأبيض.
محاكمة ترامب ستبدأ اعتبارا من الثامن والعشرين من الشهر الجاري، ومحاموه يطالبون بتأجيل المحاكمة الى ما بعد الإنتخابات، ولكن القضاء في واشنطن رفض ذلك،وهذا ما جعل ترامب يشدد على أن المسألة هي سياسية بحتة وقد استطاع إقناع مناصريه بذلك. لا بد من التوضيح هنا أن الرئيس الأميركي عنده صلاحية دستورية لإعفاء أي شخص من المحاكمة وإصدار عفو عن أي شخص محكوم، وهذا ما يفعله معظم الرؤساء قبيل انتهاء ولايتهم إذ يصدر الرئيس قبل مغادرته البيت الأبيض لائحة بالعفو عن عدد من الأشخاص. ومع أن الدستور لا ينص صراحة على إمكانية الرئيس بالعفو عن نفسه، إلا أن معظم المراقبين يعتقدون أنه، في حال عاد ترامب الى الرئاسة، فإنه سيصدر عفوا عن نفسه لإنهاء جميع المحاكمات القائمة بحقه، ولذلك فإنه يحاول الآن تأجيل المحاكمات الى ما بعد الإنتخابات.
معروف أن دونالد ترامب عنده ميول عنصرية واضحةإذ سبق له، أثناء رئاسته، أن أصدر قرارا بمنع دخول الأراضي الأميركية لمواطني عدة دول إسلامية، كما أنه لم يتردد في وصف دول أفريقيا السوداء على أنها “أوكار وسخ”، وهو لم يعر القارة الأفريقية أي اهتمام خلال السنوات الأربع من عهده، ومناصروه هم بمعظمهم من المتطرفين اليمينيين من العرق الأبيض، ومن الإنجيليين الذين يؤيدونه بأكثرية 80 بالمائة.والذين اقتحموا الكونغرس في السادس من يناير 2021 بناء على تشجيع منه لعرقلة إعلان فوز بايدن بالرئاسة هم من هذه الفئات.
لذلك يخشى بعض المراقبين من ردات فعل سلبية وأعمال شغب من قبل هذه الفئات التي تؤيد ترامب تأييدا أعمى في حال صدور حكم بالسجن بحقه، أو بعدم السماح له بالترشح للرئاسة، أو حتى في حال عدم فوزه في الإنتخابات التمهيدية أو العامة. ترامب لا يقبل الخسارة، وهو معروف بأنانيته إذ أنه يعتبر أن مصلحته الشخصية تفوق كل المصالح الأخرى، كما أنه يرى نفسه فوق القانون ولا يعتبر أن عليه الخضوع للقوانين والأنظمة السارية. ويتوقع المراقبون ان لا تقتصر ردة فعله، في حال فشله في الإنتخابات وفي حال صدور أحكام قاسية بحقه، على مواقف منددة بالمحاكم وبالإدارة، بل من المحتمل أن تصل الى تحريك الشارع مثلما حصل في السادس من يناير 2021.
الولايات المتحدة في وضع حرج وفي ورطة محتملة سواء فاز ترامب في الإنتخابات أو فشل. ففي حال فوزه ستكون السياسة الأميركية تحت رحمة رجل أناني يضع مصالحه الشخصية فوق أي اعتبار آخر، كما أنه توعد بأنه في حال فوزه سيقوم بمحاكمة الرئيس الحالي جو بايدن وأفراد عائلته وجميع أخصامه بمن فيهن أعوانه السابقون الذين انقلبوا عليه، هذا بالإضافة الى مواقفه غير النمطية في السياسة الخارجية مثل تأييده للرئيس الروسي بوتين وتأكيده أنه يستطيع إنهاء حرب أوكرانيا بمهلة 24 ساعة، وفي كل هذه المسائل ضرر واضح للولايات المتحدة، وفي حال فشله فإنه لن يتردد في تحريك الشارع الأميركي، خاصة في المناطق التي يسيطر عليها المتطرفون العنصريون، ولا يعلم أحد كيف يمكن أن تتطور الأمور في مثل هذه الظروف.
فهل الولايات المتحدة مقبلة على حرب أهلية؟ الأمر يتوقف، على ما يبدو، على تطورات محاكمة الرئيس السابق دونالد ترامب ونتيجة الإنتخابات الرئاسية.