عادل عطية
يا للرابطة الإجتماعية التي تنشأ من الاشتراك في: الوطن، واللغة، والتاريخ!
يا للقومية التي هى من أعز الأشياء لدى الإنسان فى أى أمة من الأمم، وأي شعب من الشعوب!
انها الفضيلة التي تدفع المنتمى إليها إلى محاولة أن يرتقى ببلده: اقتصادياً، وسياسياً، ودينياً، وروحياً!
ولكن.. عندما تنكر قومية من القوميات على جميع الشعوب كل قومياتهم، ولا تعترف إلا بنفسها فقط؛ فتثير الحروب والقلاقل، وتدفع إلى ظلم الآخرين، وسلب حقوقهم والاستيلاء على أملاكهم، واغتيال قادتهم، وارتكاب كل جريمة في تحقيق المطامع التوسعية، فهى تصبح: عنصرية، شيطانية، اجرامية!
وتاريخنا الارضى، يئن من مثل هذه القوميات التي نادت بمثل هذه الشعارات: “شعب الله المختار”، “خير أمة أخرجت إلى الناس”، “سمو الجنس الآرى”؛ فأنبتت زعماء خالدين في سجل الاشرار، ولدوا حاملين لعنة الوراثة، وساندتهم أبواق غبية، جعلتهم يجمحون فى كبريائهم؛ لأجل إشباع قسوتهم، حتى اننا إذا تخيلنا كل واحد منهم: لم يعمل شيئاً آخر فى حياته سوى كتابة اسماء ضحاياه الابرياء، لما اتسعت حياته كلها لكي يفرغ من ذلك!
قوميات عمياء، أصبحت داء، تأكل حتى ابناءها…
ألم يُسمّروا السيد المسيح على صليب العار والموت؛ لأنه نظر إلى ما وراء تخوم الأمة اليهودية؟!
ألم يُسق سقراط كأس الموت؛ بحجة أنه يعمل ضد الروح القومية الوطنية؟!
ألم توضع اسماء: طاغور، وغاندى، واينشتين، ورومان رولان، وغيرهم ، في رأس القائمة السوداء؛ لأنهم كانوا يشنّون الحرب على الحرب؟!
وألم يلحق بهم كل الذين تفتقت أذهانهم نوراً وخيراً، فوضعوا على شفاة شعبهم، وهم على أعتاب قبرهم: قوة غير عادية ليصلوا لأعدائهم؟!
ان كل الذين يعانون تحت مواطئ الطائفية البغيضة، يتطلعون بأمل إلى بزوغ زعماء يتولون مسئولياتهم: الأخلاقي ، والإجتماعية، والدينية بروح متصوفة وثابة، تطلع كالنور من وراء المشرق، برسالة ثائرة فى نفس تضطرم بنار الغيرة، والتضحية الفذة، وفى حياة مغامرة تكاد تحسبها فوق الطاقة البشرية، تتحدى بصوت مدو كقصف الرعد عالماً غدا: مادياً، بارداً، خليعاً، ماجناً، ويتطلعون إلى انتفاضة تاريخية للمنظمات العالمية، تنهض بقوة وعنفوان من تحت الرغام والركام، لتتكلم لا بصوت نبى فقط يدعو إلى حياة الحق والسلام، بل تترجم في قوانينها الباسلة، تلك المبادئ الحية التي ما فتئت على مر السنين مصدر كل قوة فدائية في حياة الانسانية، وتتولى برغبة حارة مهمة شفاء الأمم!
ولكل الذين لا يزالون يريقون الدماء باسم القومية، لا نصيحة أقدمها لهم إلا ما تقدمت به سونيا للقاتل المجنون في تحفة ديستوفسكي: “الجريمة والعقاب”: “قم من مكانك واسرع في هذه الساعة إلى مفترق الطرق، واركع وقبّل الأرض التي دنّستها بجريمتك، ثم انحن لزوايا العالم الأربع، واصرخ أمام الملأ: لقد ارتكبت جرماً، لقد أزهقت روحاً. وثق بأن الله سوف يعطيك حياة جديدة”؛ فربما يفعلون يوماً مثلما فعل راسكولنكوف، الذي كان قاتلاً مثلهم، وزاهقاً للنفوس، ولكنه سمع نصيحة “سونيا” وعاد إلى نفسه!