بقلم: تيماء الجيوش
يُعدُّ الزواج عقداً مكتوباً يُشترط فيه الإيجاب والقبول أي اتفاق الإرادتين ما بين الزوج والزوجة ، كما يُعدُّ صحيحاً متى ما توفرت فيه أركانه و شروطه من مهرٍ ونفقة و سكن و ما يتبعها من إرث . هذا ما درجت عليه المذاهب الشرعية كافة و تبنّته معظم التشريعات العربية وكذلك العديد من البلدان. والعقد هنا يتجاوز حدود تعريفه حينما أعتُمِدَ عليه كأساس في بنيان المجتمعات و الحفاظ على الحقوق و حمايتها فهو أيضاً علاقة تبادلية ما بين الجزء والكل.
لم يبتعد هذا التعريف عن الغرب ودوله المتعددة لا سيما من حيث أبعاده من انه عقد وحماية ، في كيبيك تم تعريف عقد الزواج بأنه إجراء قانوني تتم كتابته و يتم توقيعه من قبل الطرفين أمام كاتب العدل و يمكن أن يتضمن شروطاً أو نقاطاً معينة يُتفق عليها، ومن مثالها اقتسام الملكية في حال وقوع الطلاق . وبالعموم قانون الأسرة في كيبيك يؤكد على قيمٍ معينة تعكس ثقافة وًفلسفة تُعنى بالاستقلال و أن الأفراد لهم مطلق الحرية في حماية أنفسهم من خلال قرارتهم . والمُشّرع لا يقف عند حالة من الجمود القانوني ، بل هو يتبع التغييرات التي تحدث أثراً على الديناميكية الاجتماعية لا سيما ديناميك الأسرة التي باتت سريعة التغيير في المقاطعة كما هو الحال في كندا، من هذه التغييرات ازدياد نسبة الأزواج خارج عقود الزواج أو أي شكلٍ من أشكال العقود أو الارتباط المدني (Marriage or Civil Union) ليصل إلى ٤٢٪ في العام ٢٠٢١ بحسب ما ورد في وسائل الإعلام الكندية، مما انعكس على الأطفال وأوضاعهم القانونية بشكل مباشر.
هذا الأمر تحديداً لا يتفق و منطق الحماية المذكور أعلاه والذي يهتم به المُشّرع أشدّ الاهتمام و بالتحديد عندما يتعلق الأمر بالأطفال في هذه الأُسر. إذ وبالنتيجة لعدم وجود عقد زواج أو ارتباط مدني أصبح الأطفال خارج نطاق الحماية القانونية للحالة المدنية التقليدية. ما يعني عملياً انتهاكاً لحقوقهم المتعددة و خرقاً لمبدأ هام في أن تكون البيئة المحيطة بالطفل آمنة و متناسقة مما يساعد في إعداده ليحيا فرداً حراً بكل ما تعنيه هذه الكلمة من كرامة و مساواة و حرية.
و الحاجة إلى إجراءات و رعاية خاصة للطفل و حماية قانونية خاصة تعود إلى عدم نضوج الطفل الجسدي، العاطفي والعقلي. ولعل هذا ما تنحو إليه المجتمعات الإنسانية من خلال التزامها بمواد المعاهدات و القانون الدولي و على وجه الخصوص اتفاقية حقوق الطفل و موادها المتعددة ومنها على سبيل الذكر لا الحصر المادة ٢٧ التي أكدت على تأمين ظروف المعيشة اللازمة للطفل و المسؤولية الملقاة على عاتق الوالدين في هذا الصدد و النمو الجسدي، العقلي، الروحي والمعنوي و الاجتماعي في حدود مقدرتهم و إمكانياتهم المادية.
كذلك المادة الثامنة عشر التي أشارت إلى المسؤولية المشتركة للوالدين عن تربية الطفل و أن مصلحة الطفل هي الفضلى و هي موضع الاهتمام الأساسي. لعل هذه الأسباب مجتمعة هي ما أفضت إلى مشروع إصلاح قانون الأسرة في كيبيك في العام ٢٠٢٤ ولازال النقاش دائراً حوله . حيث عُنيَ بالأطفال اللذين ينتهي بهم أمر حضانتهم إلى إحدى الوالدين الذي قد لا يملك سكناً أو سكناً ملائماً و لا تنطبق في هذه الحالة عليه معايير القانون الخاص بالطلاق و الانفصال في المقاطعة لعدم وجود عقد زواج أو ارتباط مدني و بهذا تزداد دائرة الخطر المحدقة بالطفل و تعرضه للطرد من منزلٍ آمن.
بالطبع هناك لمشروع القانون جوانب أخرى منها اقتسام الملكية، أن يرث الوالدين بعضهم في حالة الوفاة ، أو المطالبة باقتسام الملكية، أو المطالبة بالتعويض في حال كان احد الطرفين قد ساهم مالياً بما يفوق الآخر على أن يُعدّ بند أقتسام الملكية مرناً بما يفيد التنازل عنه أو تعديله وفقاً لإرادة الطرفين.
وزارة العدل في مقاطعة كيبيك أشارت مراراً في بياناتها إلى أن «الفكرة هنا هي وضع الحماية اللازمة لمنع تعرض الطفل لتداعيات انفصال والديه”. وهذا يُعدُّ حقيقة التطبيق العملي المأمول من التعهد و التوقيع على العهود الدولية ، وجود الطفل و حمايته واجب قانوني و أخلاقي .
مشروع القانون في كيبيك يعكس دور القانون في فهم المتغيرات الاجتماعية الاقتصادية و السياسية في المجتمع و تقدّمه عما سواه في رأب الفراغ و الفجوات في النسيج الاجتماعي عبر النصوص والمواد المتفرقة. ربما من المجدي كذلك أخلاقياً و قانونياً أن تتم حماية المرأة و بذات الدرجة أي لا تُطرد و تُهان في حال غياب العقد و في حال عدم وجود أطفال فهذا أيضاً حق من حقوقها التي على المُشرع أن يتنبه لها و هو من الأهمية بمكان في القانون الدولي.
لكم سلاماً وأماناً و كرامة حيثما انتم و أينما كنتم .