بقلم: اسماء أبو بكر
ليس سهلاً أن أخوض تجربة الكتابة في موضوع بناء الإنسان في مصر، على الرغم من تَروضي على التفكير مرارًا في موضوع؛ لا أعلم كيف يكون منه المخرج، فقد تكون الكتابات عن الإنسان وبناءه متعددة، ولازالت أقلام من تمردوا على الثوابت وآثروا الخوض فيها لم تجف حتى اليوم.
أعتقد أن دعوة بناء الإنسان في مصر لا وجود لها إنها متاجرة وثرثرة فقط؛ فالإنسان في مصر له وجوده وبُنيانه، وله جذورٌ عريقة ومستند على جدار حضاري لا ينقض ولا ينقضي.
مآساتنا أننا في كل حقبة حاكم نجد بطانته تردد هذه المقولة الكاذبة “إن كل حاكم يريد أن يبدأ من الصفر -عادة سياسية فرعونية- لأنه في حقيقة الأمر لا أحد يريد أن يبدأ من حيث انتهي سابقه، ويمهد للاحقه.” ولكنه يمكن إضافة شيئًا جديدًا طبقًا للمتغيرات، وهو الواجب الحتميّ علينا، لكن البعض يُتوهمون؛ فيجعلون المتغيرات أكثر من الثوابت، وهذا هو الأمر الذي يهز المنظومة التي ينبغي أن تتسلسل حلقاتها، ويُفضي بعضها إلى بعض، وما نراه حاليًا أنَّ الهدم أكثر من البناء، ونجد أنّ البناء باهت ولا شخصية له إطلاقًا، والبناؤون الآن في سوق هذه العملية آلية التي لا رؤية ولا تخطيط لها منذ عشرات السنين، إننا ننظر فقط تحت أقدامنا في حين أننا نحتاج إلى حدس زرقاء اليمامة -الرؤيا عن بعد- لأن أجهزة الاستشعار لدينا ضعيفة، على هذا فإنّه لا تعمير بلا تدمير، لكن أين السبيل إلى التعمير؟! هدم الذات مأساه، نعم لا تعمير بلا تدمير، لكن أين التعمير حولنا؟!
الحرية بالمعني الأعظم للحرية، ولا نغلقها علي محور واحد فقط، هو المحور المرعب “نظام حكم ما”، نحن نفتقد مبدأ “أنا وأنت”، وليس “أنا أم أنت”، تراكماتٌ كثيرة جداً لا حدود لها، ولم يتم إعداد الصف الثاني، كل الإهتمام بالأول فقط، كل حديث عن الإنسان في مصر هو ثرثرة، وفض مجالس ولقطات فقط.
أود أن أذكركم بحكمة:”آه لو عرف الشباب .. وآه لو قدر المشيب” نحن نفتقد تواصل الأجيال، الموجود حاليًا هو صراع الأجيال، المؤدي إلى وضع المواطن المصري تحت قبضة حديدية يكاد ينفجر منها.
إن مصر اليوم تخوض تحديًا كبيرًا، وهو تحويل العنصر البشري والسكاني من عنصر يشكل عبئًا على التنمية والاقتصاد إلى عنصر يكون هو دافع عجلة التنمية والوسيلة الرئيسية؛ للعبور نحو الأهداف القومية العاجلة وبعيدة المدى في توفير التقدم والرخاء لأبنائنا، ودعم مركز مصر الحضاري في عالم يسرع بخطى التقدم، وإذا لم توضع في البناء يد أمينة ومخلصة وصادقة؛ فإننا لن نحصل على النتائج التي نخطط لها، و لن تؤتي الأموال التي تنفقها الدولة ثمارها،ومن هنا فإنَّ كل الأفكار مطالبة بأن تساهم في البناء والتعمير، وكل الأقلام مطالبة بأن تحاول مرارًا وتكرارًا؛ فبقدر سمو الهدف بقدر ضخامة الجهود المتضافرة المطلوبة؛ لتحقيقه من خلال محاولة جادة وصريحة، لوضع استراتيجية شاملة تقوم على البحث العلمي لكافة الأبعاد الاجتماعية والثقافية والإدارية والاقتصادية والسياسية، بإسلوب يتميز بالدقة والموضوعية ووضوح الرؤية، والهدف لدينا لكي نحقق ما نصبوا إليه جميعاً.
إن أهم ما ينبغي أن يُغرس في نفوس المواطنين في المرحلة الحالية هو تعلم الواجبات، وأدائها بنفس القدر الذي يعرفون به حقوقهم، فالمسؤولية هنا في المقام الأول والأخير مسؤوليتهم، ولن ينصلح المجتمع ويصبح قادرًا على تحمل عبء التنمية إلا بقضائه على تلك المبالغات التي نعتبرها المسؤولة عن الآثار المدمرة في حياتنا، وليست هناك وسيلة أفضل من الممارسة الحقيقية والقدوة الحسنة، وهذا واجب على القيادات السياسية من القمة وحتى القاعدة، كما ينبغي توجيه التعليم بالفعل إلى احتياجات الدولة الحقيقية، والتي ترتكز على المهنيين والعمالة الماهرة أكثر من حملة الشهادات العليا؛ وذلك بأن يقوم النظام التعليمي على مجموعة من الأسس والأهداف أولها: بناء الإنسان بطريقة تجعله ناجحًا في كل مناحي حياته الاجتماعية،ثانيها: تعظيم حب الانتماء للوطن من الصغر لمواجهة التحديات الحالية والمستقبلية في ضوء ما يتعرض له المجتمع المصري من تحديات متنوعة،ثالثها: أن يكون صاحب مهنة ومتخصصًا في مجال معين، وقادرًا على ممارستها بإتقان، ولا مناص من مناخ ثقافي حر يتم فيه تطارح كل الأراء في موضوعية وانطلاق، وبغير ذلك المناخ الحر فإنّ الثقافة لن تشهد سوى ازدهار صوري أجوف، ولا يجب أن يُقام أي قيد على الأفكار إلا أن يكون في حدود الآداب العامة المتعارف عليها، كما ينبغي أن نجد البرنامج الزمني والإمكانيات الفعالة التي تكفل القضاء التام على مشكلة محو الأمية بصورة تفوق سرعة معدّل التزايد السكاني، فضلًا عن اللحاق بركب الدول المتقدمة،كما ينبغي تطوير برامج التعليم بحيث يُربط بين العلم والمعرفة بالحياة وتطوير أساليبه إلى اعتماده على الفهم والذكاء، كما أنّ التربية الدينية وأثرها لا جدال في أهميتها، من حيث إعداد القائمين عليها، إذ تضيق الفجوة بينهم وبين الناس فيأخذون بيدهم إلى بر الأمان،ولابد من توفير رعاية صحية جيدة تجنبه المشاكل والأزمات الصحية التي تعوق مسيرة حياته الشخصية والعملية، وأيضًا الاهتمام بالتوعية الدينية والفكرية السليمة؛ لتحصينه من أي أفكار وأيديولوجيات متطرفة أو إجرامية، ولابد كذلك من إصلاح الإعلام؛ ليكون إعلامًا جيدًا متوازنًا يُقدم نماذجًا جديدة وقدوة حسنة في جميع المجالات، وذلك من خلال الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب والدرامي، فكل هذه الأنشطة الإعلامية -للأسف الشديد – لها تأثير سلبي مباشر في فساد الذوق العام، والانفلات والانحلال السلوكي، ففي عصر المعلومات والإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، يجب أن تكثف من التوعية المجتمعية للاستخدام الأمن والمشروع لشبكة الإنترنت ومواقع التواصل؛ بحيث نستخدمها ولا نسمح لها باستخدامنا.
إن إعادة بناء الإنسان المصري مسئولية جماعية بين البيت والمدرسة والإعلام فكل راعٍ مسئول عن رعيته، قال تعالي “كبر مقتًا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون.” أي عظم بغضًا عند الله أن تقولوا بألسنتكم ما لا تفعلوه.
الهوة شاسعة بين التصورات والتصديقات، نحن ندمن الكلام فقط، نحن في حاجة إلى تنفيذ وترجمة ما يُقال إلى واقع؛ فالقضية التي أُثيرها هي نزيف لا يتوقف ولا يُضمد، ومن أجل ذلك نحن في مصر منذ سنوات نتمدد بالعرض ونتطور به أيضًا، إننا نمثل قول الشاعر أمرؤ القيس والذي قاله منذ أكثر من ألفي عام: “قفا نبكِ من ذكري حبيب ومنزل” تصوروا وقوفًا وبكاء، نحن نجيد البكاء على أطلالنا دائمًا، إما أن نتقهقر بسرعة إلي الوراء أو نقفز بسرعة إلى الأمام، أما في اللحظة الراهنة المتعينة فنهرب منها؛ ولذلك نحن خارج العصر والزمن والتقدم.











