بقلم : هيثم السباعي
ناقشنا في العددين السابقين أسباب بدء الثورة الشعبية في آذار عام ٢٠١١ وتسليحها المقصود ومن ثم سرقتها عربياً وإقليمياً ودولياً بشكل حولت البلاد إلى أرض معارك دولية لتصفية الحسابات. تكلمنا بعدها عن الدور الإيراني في الحرب وحدود تدخلها المسموح به. نختم اليوم مقالاتنا بمناقشة التدخل الروسي ودوره بالأزمة.
من السذاجة بمكان الإعتقاد بأن التدخل الروسي في الحرب السورية يقتصر على دعم النظام فقط. هذا سبب واحد يثبته الجسر الجوي بين موسكو ودمشق ثم اللاذقية وطرطوس الذي لم يتوقف منذ اليوم الأول لبداية الإحتجاجات حتى دخلت روسيا الحرب فيزيائياً بتاريخ ٣٠ إيلول (سيپتمبر) الماضي وبقوة.
بدأ التدخل المباشر بنشر طائرات مقاتلة قاذفة من طراز سوخوي (سو-٢٤، ٢٧، ٣٤ وحديثاً سو-٣٥) في مطار حميميم القريب من اللاذقية، وحديثا في قاعدة الضبعه، في وسط البلاد قرب حمص. نشرت أيضا ولأول مرة خارج الأراضي الروسية، صواريخ أرض-جو متطورة من طراز إس إس-٤٠٠، بعد إسقاط تركيا طائرة سو-٢٤ بسبب إختراقها المجال الجوي التركي. أطلقت روسيا أيضاً عدة صواريخ أرض-أرض من بحر قزوين سقط أحدها خطأً فوق الأراضي الإيرانية. أرسلت روسيا أيضاً إلى شرق الأبيض المتوسط حاملة طائرات، كل هذا حدث بعد توسيع وتحديث قاعدتها البحرية في طرطوس الذي مكنها من إستقبال كل تلك المعدات الحربية بسلاسة كبيرة.
من البراهين القوية على التدخل الروسي لصالح النظام أن الأقمار الصناعية الغربية رصدت ٩٨٪ من غاراتها كانت ضد المعارضة السورية المسلحة مقابل ٢٪ فقط ضد تنظيم الدولة الإسلاميه في العراق والشام (داعش) الإرهابي الذي كان حجة تدخلها المباشر. إرتفعت هذه النسبة إلى ٢٥٪ فقط بعد إسقاط الطائرة الروسية فوق سيناء والتي راح ضحيتها ٢٢٤ روسياً وأعلن تنظيم داعش مسؤوليته عن الحادث. تنظيم داعش الإرهابي يقدم خدماته الجلى لجميع الأطراف الموجودة على الأرض السورية عدا المعارضة الوطنية المسلحة. فالتنظيم يبيع النفط للنظام وتركيا وإسرائيل (كلها عن طريق وسطاء.) مايؤكد تعاون داعش مع النظام الروسي إكتشاف الجيش المصري الإليكتروني بأن داعش يستخدم بدعايته الحربية وتهديداته ‘سيرڤَر’ روسي، حسب مصادر صحيفة المصري اليوم. داعش اليوم من المنسيات لأنها أدت مهمتها الرئيسية بتبرير التدخلات القريبه والبعيده بالأزمة.
في العام الجديد كثفت روسيا غاراتها على المناطق القريبة من اللاذقية وحلب التي تخضع لسيطرة المعارضة كما دمرت مدينة الشيخ مسكين في حوران بالجنوب، فاقتصرت، بذلك غاراتها على مناطق المعارضة بهدف تغيير الواقع على الأرض قبل بدء مفاوضات جنيڤ التي علقتها الأمم المتحده بعد يوم واحد من بدئها. تتعرض اليوم مدينة حلب والمناطق المحيطة بها لقصف جوي روسي مكثف لايميز بين شيخ وامرأة وطفل بهدف مساندة الهجوم البري الذي تنفذه ميليشيات حزب الله والحرس الثوري الإيراني، ما أدى إلى نزوح سبعين ألف سوري جديد بإتجاه الحدود التركيه. يرى المراقبون، نتيجة ذلك أن القوات الشيعيه تشدد قبضتها على البلاد وأن إيران ضمنت الوصول الآمن إلى السواحل الشرقية للأبيض المتوسط مروراً بسوريا إلى مناطق سيطرة حزب الله في جنوب لبنان.
باعتقادي من أهم الأهداف الأخرى للتدخل الروسي، إلى جانب الأمن الإسرائيلي المتفق عليه مع الولايات المتحدة ودعم النظام هو الوقوف بوجه أي مشروع لبناء خط أنابيب نقل غاز من قطر إلى أوروپا عبر سورية بهدف استغناء أوروپا الغربية عن الغاز الروسي كإجراء لاستكمال الضغط الإقتصادي عليها بعد إنخفاض أسعار النفط وفرض الحصار الإقتصادي عليها بسبب إحتلالها شبه جزيرة القرم وشرق أوكرانيا. هذا من جهة، من جهة أخرى كان لظهور الغاز في شرق الأبيض المتوسط بين إسرائيل وغزة وقبرص قبل إكتشاف آخر وأكبر حقل للغاز في المياه الإقليمية المصرية يؤكد إحتمالات وجود الغاز في المياه الإقليمية السوريه. لذلك وقعت سورية مع روسيا عقداً لإستكشاف وإنتاج النفط والغاز مدته ٢٥ عاماً، وذلك في نهاية عام ٢٠١٤.
في الختام، كما سبق وقلت، لاتوجد في الأفق المنظور أي نية لإنهاءالصراع في سورية لإيمان النظام بالحل العسكري وعدم وجود أي نية لديه للجلوس إلى طاولة مفاوضات. لايزال الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة يشاركون بإدارة الأزمة وعدم وجود رغبة بإنهائها. لو وجدت هذه الرغبه لإنتهت الأزمة، داخلياً خلال الأشهر القليلة الأولى من بدئها، أما اليوم فالأمر يزداد صعوبة يوماً بعد يوم.
يرى بعض المراقبون أنه في حال استمرار روسيا في غيها بالتدخل المتحيز في سورية، إلى جانب الميليشيات الشيعية لحزب الله والحرس الثوري الإيراني، لن ينجيها من إشتعال النار الموجود تحت الرماد في جمهورياتها الإسلامية ذات الأغلبية السنيه.
أخيراً وليس آخراً سورية وشعبها بكامل أطيافه يعانون من عذابات لاناقة لهم فيها ولاجمل، نتيجة تطورات للأحداث فرضت عليهم بسبب تعنت النظام وغباء المعارضة وتشتتها وتخلي الدول “التي تسمى شقيقة” عنهم. كما جرت الدول الإقليميه والدولية وراء مصالحها الجيوسياسية والإقتصادية وهذا من حقهم طبعاً. ساذج من يعتقد أن الغالبية العظمى من الأطياف السورية الأخرى، من غير السنة لن تعان من تداعيات هذه الأزمة، بشكل أوبآخر في المستقبل، ولكننا كالعادة، نراها بعد إغراقنا في حفر الأوحال من قبل الغرب، كما يقول المفكر الجزائري الراحل ‘مالك بن نبي.’






























