بقلم: كيندة الجيوش
لو ان الرسول محمد (ص) كان بيننا الْيَوْمَ لربما رأيناه يسير في الشارع بكل تواضع وهو يرتدي بنطال الجينز! هذه جملة قالها احد العلماء المسلمين لطالما اعجبتني لدلالتها البسيطة على شخصية الرسول الكريم المتطورة والمتواضعة والمحبة للاجتهاد وعدم تحميل الأمور اكثر مما تحتمل!
تذكرتها وأنا اقرأ عن الاسلام والتطوير! الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) كان يحب العلم والسلم وكل جديد وكان يدعو للتطوير والتعلم من التجارب الجديدة ولهذا شجع على الاجتهاد حتى في بعض مواضيع الدين!
ويبدو الْيَوْمَ ان فشلنا الأهم لا زال هو في التأخر في بعض مجالات التطور، وفِي استمرار استغلال الدين من اجل التشجيع على ممارسة العنف هنا او هناك من قبل بعض المتنفعين! والأمر المقلق انه هناك بعض الضعف في إيجاد رسالة وحملة موازية وبنفس القوة لتذكر بسلمية المواقف والأقوال وأريحية الاعتدال والتذكير بنجاح الدعوة السابقة للتقدم والتطوير عن الأسلاف التي تمتع بها الاسلام والرسول.
واليوم – وحسب تفاصيل ومحاضرات خلال مؤتمر عن العنف والأديان أقامته جامعتي ميجيل وكونكورديا اخيراً – فإن فكرة التيمن بالأسلاف واتباع التقاليد وتعطيل الفكر النقدي واستغلال الأديان كانت ولازالت احدى الوسائل التي يتبعها خبثاء العقول من اجل السيطرة على الأجيال الحديثة وتوجيهها لمصالح محددة، بعضها سياسي جمعي وبعضها فردي نفعي بشكله وماهيته. وهذه الفكرة – او الاستراتيجية الخبيثة- هي أيضا احد أسباب التأخر الرئيسيّة التي عانت منها مختلف الأديان عبر فترات زمنية مختلفة.
وبالتالي- وحسب رأي المختصين في المؤتمر- فإن هذا الامر لم يكن حكرا على المسلمين فقط، بل كان موجودا لدى الديانات السماوية الثلاث عبر العصور بأشكال ونسب متفاوتة. ويتبعه أيضا ان استخدام الدين لتبرير العنف لم يكن حكرا على المسلمين وحدهم والحروب الصليبية والحروب في أوربا هي مثال اخر! ولكن، وفِي يومنا هذا، لازال استخدام الدين كتبرير، لا بل ودافع وأرضية لترويج العنف، موجودا بقوة وتعود اسبابه الى نواح سياسية حيث لازال الدين يستخدم لأغراض ومكاسب سياسية. ويلجأ بعض الحكام والقادة احيانا الى أقوال الهية قيلت منذ مئات السنين ويستخدمونها اليوم لتسويق مواقف سياسية واستمداد القوة والدعم الشعبي. وكثيرا ما يتم اللجوء الى الدين من اجل إيقاف التفكير النقدي لدي الشعوب المؤمنة وتوجيهها الأعمى باتجاه ما!
وهنا مثلا – بالنسبة للمسلمين- يتم تناسي آيات تمجد الفكر النقدي وضرورة التأكد من امر ما والبحث عنه بالدليل مثل: «وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن ۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ۖ” من آيات القران الكريم.
وكذلك يتم تناسي ما قاله الرسول عن أهمية السلم والبحث والتأكد من الأمور ومن اسبابها وموجباتها وتوجهاتها قبل اتباعها- ولو ألفنا آباءنا عليها. وكذلك تأكيدات الرسول المتكررة لترك التقاليد الاجتماعية البالية وبعض التقاليد الدينية التي تبتعد عن سماحة وجمالية الدين والتذكير بدعوته الأساسية «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق.»
ومن الأمور الخطيرة وفِي أيامنا المتطورة هذه وعن توفر الوسائل والأسلحة لا يحتاج الأمر لأكثر من فرد – بغض النظر عن دينه- يتابع بعضا من فيديوهات عنفية مشوهة على اليوتيوب او مواقع على الانترنت والتواصل الاجتماعي تروج للعنف ( وليس بالضروري ان يكون دافعه ديني) ليقوم هو بثورته الخاصة وفق مفاهيمه الخاصة والمفاهيم المشوهة التي تابعها على هذه المواقع!
اذا، هنا علينا ان نقوم أيضا بجهود فردية وثورات سلمية فردية على طريقتنا! وكل عمل سلبي يواجهه عشرة جهود إيجابية تدعو للسلام والمحبة في كل دار ودين ومدرسة ووطن وموقع اجتماعي وزاوية رأي!
ويبدو من المفيد التذكير ببعض الاقوال عن الرسول ومنها: «لا تقتلوا صبياً ولا إمراة ولا شيخاً كبيراً ولا مريضاً ولا راهباً ولا تقطعوا مُثمراً ولا تخربوا عامراً ولا تذبحوا بعيراً ولا بقرة إلا لمأكل ولا تٌغرقوا نخلاً ولا تحرقوه.» السلم يصلح لكل الأزمان والعنف مكروه مردود، مردود في اَي مكان وزمان.