بقلم: علي عبيد الهاملي
في تمام الساعة 01:58:00 من يوم الإثنين 20 يوليو 2020 حقق أبناء دولة الإمارات العربية المتحدة إنجازا جديدا في مجال ارتياد الفضاء بإطلاق «مسبار الأمل» إلى كوكب المريخ، كي يصل إلى مداره مع الاحتفال بمرور 50 عاما على اتحادهم. هذه الخطوة أتت بعد خطوات حققها أبناء الإمارات في مجال ارتياد الفضاء، تحقيقا لطموح مؤسس دولتهم، المفغور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، منذ أن وضع رواد الفضاء الأمريكيون أمامه مجسم مركبة الفضاء «أبولو» عندما كان، عليه رحمة الله، يستقبل مجموعة منهم، بحضور عالم الفضاء العربي الدكتور فاروق الباز، عام 1976.
الطموح حق مشروع لكل البشر، لكن هناك من يمتلك القدرة على تحقيق طموحه، وهناك من تقصر قدراته عن تحقيق هذا الطموح. وقد أثبت أبناء الإمارات على مدى التاريخ أنهم قادرون على تحقيق طموحهم الذي لا تحده حدود، ولا تقف دون تحقيقه صعوبات، فاحتلوا الرقم 1 عربيا في مجال الفضاء، وكانت وكالة الإمارات للفضاء أول وكالة عربية يتم إنشاؤها على مستوى العالم العربي بهدف تنظيم وتطوير الصناعة الفضائية، وكان «خليفة سات» أول قمر صناعي يتم تصنيعه بأيد إماراتية بنسبة 100 في المئة، وكان برنامج رواد الفضاء الذي أطلقته دولة الإمارات عام 2017 أول برنامج من نوعه يتم إطلاقه عربيا، وكان قانون الفضاء الأول من نوعه عربيا وإسلاميا، وكان هزاع المنصوري أول رائد فضاء عربي يصل إلى محطة الفضاء الدولية، وكان مشروع «نوابغ الفضاء العرب» أول مشروع من نوعه يتم إطلاقه في العالم العربي لتدريب العرب الموهوبين في مجال علوم الفضاء وتقنياته، وجاء «مسبار الأمل» ليكون أول مسبار عربي يتم إطلاقه إلى كوكب المريخ لدراسة الغلاف الجوي للكوكب الأحمر.
إنجازات وخطوات متقدمة ما كان لها أن تتحقق لولا الرؤية الثاقبة لقادة دولة الإمارات، والطموح الذي لا تحده حدود، ولا تقف دون تحقيقه تحديات. فمن كان يتصور قبل خمسة عقود، عندما كانت الإمارات بلدات متناثرة على ضفاف الخليج العربي، تبحث لها عن موضع قدم بين شقيقاتها العربيات اللواتي سبقنها إلى الاستقلال والتعليم والتقدم والنهضة، من كان يتصور أن هذه الإمارات المتباعدة، مثل حبات تناثرت من مسبحة، سيكون لها كل هذا الشأن بين الدول ذات الإنجازات العلمية الكبرى؟ إنها الإرادة وحدها من تستطيع أن تمحو كلمة «مستحيل» من قاموس الدول والشعوب، وإنه التصميم وحده من يستطيع أن يحول المصاعب إلى تحديات، وأن يحول التحديات إلى فرص لإثبات الذات، وأن يحول الفرص إلى إنجازات على أرض الواقع، تتحدث عن نفسها دونما حاجة إلى دليل مثلما هو ضوء النهار الساطع. وإذا كان قيام دولة الاتحاد قبل خمسة عقود هو التحدي الأول الذي واجهه مؤسسو دولة الإمارات الأوائل واستطاعوا أن يطوعوه بعزمهم وإرادتهم، فإن التحديات التي تلته وتم قهرها وتجاوزها كانت تشكل، تحديا بعد آخر، الصورة الناصعة التي عرفها العالم عن قادة دولة الإمارات وشعبها، على النحو الذي جعل من دولة الإمارات أنموذجا فريدا للدولة الناجحة، والملهم الأكبر للشعوب العربية التي تتطلع إلى مستقبل أفضل، وسط هذا الظلام الذي يغرق فيه الوطن العربي، ويكرس نماذج دول فاشلة في الكثير من أنحائه، ويشرد الكثير من شعوبه، ويفاقم من أزماته ومشكلاته وويلاته.
لقد استطاعت دولة الإمارات أن تحطم من خلال مشروع «مسبار الأمل» أرقاما عدة، فقد تمكن أبناء الإمارات من أن ينجزوا المسبار، بدءاً من الفكرة وحتى الإطلاق، خلال ست سنوات فقط، علماً بأن معظم المهمات المشابهة تستغرق ما لا يقل عن عشر سنوات، وبلغت كُلفة المسبار 200 مليون دولار، وهي تعد من بين الأقل في العالم قياساً بمهمات ومشروعات مماثلة. كل ذلك بفضل جهود الكوادر الهندسية والبحثية والعلمية من أبناء وبنات الإمارات الذين آلوا على أنفسهم تحقيق طموح قادة دولتهم وشعبها وطموح أمتهم. حدث هذا كله وسط تحديات فرضتها الأوضاع الناجمة عن وباء فيروس «كوورنا» المستجد، وما تسبب به في تعطيل حركة النقل والسفر في معظم أنحاء العالم.
لقد وقف العالم خلال الفترة الماضية مبهورا أمام إنجازات دولة الإمارات العربية المتحدة في مجال الفضاء وصناعته. وعندما عانقت عقارب الساعة الثانية الثامنة والخمسين بعد الساعة الواحدة من صبح يوم الإثنين العشرين من شهر يوليو، وقف العالم يصفق من جديد لأبناء دولة الإمارات، وسجّل إنجازا جديدا لدولةٍ عِشْق أبنائها الأبديّ تحقيق الإنجازات.