بقلم: د. حسين عبد البصير
مدير متحف الآثار والمشرف على مركز
د. زاهي حواس للمصريات-مكتبة الإسكندرية
يعتبر أدب السيرة الذاتية غير الملكية أو ما يسمى بـ «كتابة الحياة» من أقدم الأشكال والأنشطة الأدبية التي من خلالها عبر الأفراد عن هويتهم وتركوا بصماتهم على وجه الزمن لتجنب النسيان وتأمين استمراريتهم وذكراهم وبقاءهم بعد الموت. وظهر هذا الجنس الأدبي مبكرًا في مصر القديمة والعراق القديم. ثم تعمق بشدة فيما بعد العصر الهوميري والعصر الكلاسيكي في اليونان القديم، والعالمين الهلينستي واليوناني – الروماني، والحضارة العربية؛ حتى صار واحدًا من أكثر الأنواع الأدبية شعبية في الكتابة الحديثة والمعاصرة.
وشهد مجال كتابة الحياة غير الملكية محاولات عدة لتعريف الأشكال المختلفة التي استخدمها الأشخاص ليعبروا عن ذواتهم وحيوات الآخرين. وكان أول التعريفات «تاريخ»، أو «تاريخ حياة»، أو «حياة». واستخدمت الكلمة «بيوجرافيا» للتعبير عن «كتابة الحيوات» في بداية القرن السابع عشر الميلادي. تم في عام 1683 الميلادي، استخدم دريدن «بيوجرافى» كاصطلاح للتعبير عن «حياة الذات المكتوبة». وبعد ذلك في عام 1797 الميلادي، دخل المصطلح «أتوبيوجرافى» اللغة الإنجليزية. ولعل أشهر التعريفات لذلك الشكل الأدبي هي «سيرة ذاتية» (أتوبيوجرافى)، و»سيرة» (بيوجرافى)، وتشكيل الذات، وتقديم الذات.
ويكتب السيرة الذاتية (الأتوبيوجرافى) عادة صاحبها بلسانه مستخدما ضمير المفرد المتكلم «أنا»، بينما يكتب السيرة غير الذاتية (البيوجرافى) شخص آخر غير صاحبها؛ لذا تكتب عادة بضمير الغائب.
وما يعيننا في هذا السياق هو أن السير المصرية لم تشكل سيرًا ذاتية بالمعنى المعروف لدينا عن السيرة الذاتية في ثقافتنا الحديثة والمعاصرة؛ وذلك لأن السير المصرية القديمة ربما ألفت في حياة أصحابها أو بعد وفاتهم. ومن المحتمل أن صاحب السيرة قد يكون شارك في تأليف أو اختيار أو إملاء النص الأدبي الخاص بسيرته؛ غير أن هذا الأمر غير مؤكد.
ويستخدم مصطلح «سيرة ذاتية» في مصر القديمة تجاوزًا وبشكل غير دقيق ودون أن يكون ذا صلة بمفهومنا لنفس الجنس الأدبي في العصر الحديث، ودون الإشارة إلى حقيقة وطبيعة ومفهوم ذلك النوع الأدبي في مصر القديمة ولدى المصري القديم. ويعد مصطلح «سيرة» (بيوجرافى) أكثر مناسبة للسيرة المصرية القديمة؛ نظرًا لكونه أكثر مرونة ويترك العلاقة مفتوحة وقابلة للتأويل بين النص وصاحبه ومؤلفه. وألف اغلب السير الذاتية المصرية القديمة بضمير المفرد المتكلم «أنا»؛ لذا أطلق عليها العلماء لقب «سيرة ذاتية» اعتقادًا منهم أن صاحب السيرة هو مؤلفها بسبب تحدثه إلى جمهور المتلقين بضمير المفرد المتكلم «أنا»، على الرغم من اختلاف هذا الجنس الأدبي المصري القديم عن فن السيرة الذاتية في الثقافة الغربية أو العربية المعاصرة. وعلى هذا الأساس يبقى التعريفان الإشكاليان الخاصان بهذا الجنس الأدبي المصري الأصيل؛ سيرة ذاتية (أتوبيوجرافى) – على الرغم من عدم معرفتنا بالمؤلف الحقيقي لهذه النصوص الأدبية- وسيرة غير ذاتية (بيوجرافى) على الرغم من عدم تأكدنا إن شخص آخر قد ألف تلك السير وليس أصحابها المنسوبة إليهم.
وكتبت السير الذاتية المصرية القديمة بداية من عصر الدولة القديمة إلى العصر اليوناني – الروماني على أسطح التماثيل واللوحات وجدران المقابر والمعابد والتوابيت والصخور. ويمكن القول إن جذور السير عميقة في التاريخ المصري القديم وربما تعود بداياتها إلى لوحات الأسرة الأولى التي حمل أصحابها العديد من الألقاب مرورًا بلوحات حسي رع الخسبية في المتحف المصري بالقاهرة من الأسرة الثالثة وصولاً إلى سيرة متن في بداية الأسرة الرابعة، واهتمت تلك السيرة الأخيرة بأمور قانونية. غير أن أول سيرة تقدم لنا نوعًا من الفن القصصي هي سيرة دبحن من نهاية الأسرة الرابعة أو بداية الأسرة الخامسة. وفي الأسرة الخامسة، يخبرنا صاحب السيرة كثيرًا عن نفسه، ويمكن تقسيم هذا النوع من السير إلى نوعين: «سير مثالية» تتفق كلية مع مفهوم «ماعت» الأخلاقي، وتقدم صاحبها بجمل تقليدية طويلة تعنى بإظهاره كشخص مثالي، والنوع الثاني يسمى «سيرة ذات حدث» ويصف خبرات صاحب السيرة والحدث (الأحداث) التي مر بها في حياته خصوصًا الوظيفية، ومن خلالها يمكن استنتاج التاريخ. ومنذ نهاية الأسرة الخامسة، بدات السير تقدم حياة أصحابها الوظيفية بتفاصيل عديدة مثل عهود الملوك الذين خدموهم ويطلق عليها «سير الوظيفة»، واستمرت في الأسرة السادسة. وأكدت سير الأسرة الخامسة على العلاقة المتفاعلة بين الملك والنبيل صاحب السيرة، على عكس سير الأسرة السادسة التي ركزت على أعمال أصحابها وكانت خير مقدمة لسير عصر الانتقال الأول (على سبيل، سيرة المدعو قار من إدفو). وعبرت سير عصر الانتقال الأول عن التشزم السياسي الذي مرت به مصر في تلك الفترة العصيبة من تاريخها القديم. ومع توحيد البلاد في عصر الدولة الوسطى، ظهرت روح جديدة في السير تستند إلى القيم الأخلاقية. وفي عصر الدولة الحديثة امتلأت السير بالأحداث التاريخية نظرًا لفتوحات مصر العسكرية في الشرق الأدنى القديم وأفريقيا. بينما لم تزهر السير كثيرًا في عصر العمارنة. على عكس عصر الرعامسة الذي شهد اهتماما كبيرا بالعقيدة الجنائزية؛ ذلك التوجه الذي يستمر ويزدهر في سير عصر الانتقال الثالث والعصر المتأخر والعصر اليوناني – الروماني.
وكانت السير تكتب مكثفة في مضمونها، وتداخلت مع أجناس أدبية عديدة مثل فن القص وأدب الحكمة والأدب الجنائزي والأدعية الأخروية. وركزت السير على أهم معالم مسيرة المسؤولين الوظيفية والمحطات البارزة في حياتهم. وكتب عدد كبير من موظفي الدولة المصرية سيرهم؛ فمن أصحاب السير كان هناك الكهنة ورجال الدين والفنانون والأطباء والوزراء والموظفون المدنيون والعسكريون بدرجاتهم الوظيفية والموظفون الإداريون كالمشرفين على القصر الملكي أو الحدود المصرية أو بلاد النوبة. وتنوعت درجات وأطياف الموظفين؛ فكان من بينهم موظفون من كبار رجال الدولة من الصف الأول وموظفون من درجات وطبقات وظيفية أدنى منهم قليلاً، غير أن جميعهم انتمى إلى صفوة المجتمع المصري القديم وطبقة النبلاء المتميزة، ولم تكتب السيرة لغير هذه الطبقة الإدارية الحاكمة بأغلب أطيافها البيروقراطية والتكنوقراطية، فلم نجد على سبيل المثال سيرًا تخص عامة الشعب، وكذلك لم تنتشر سير النساء من الطبقة العليا إلا في العصر المتأخر والعصر اليوناني – الروماني.
وأظهرت المسؤول بصورة مثالية متوافقة مع أفكار ومعتقدات طبقة النبلاء المصريين. ومان الغرض من كتابة مثل هذه السير إضفاء مسحة من التقوى والورع على صاحبها في أعين الآلهة وأفراد عائلته ومجتمعه والأجيال التالية؛ وذلك حتى لا تندثر سيرة الموظف وحتى يكون سجل إنجازاته في الوظيفة والحياة فخرًا له ولعائلته، وحتى يرث أفراد أسرته منصبه من بعده وحتى ينعموا بالامتيازات التي تمتع بها صاحب السيرة في الحياة الدنيا والتي يأمل أن تستمر بعد وفاته وأن ينعم بحياة أبدية سرمدية في العالم الآخر وألا تتوقف القرابين المادية من مأكل ومشرب عنه وعن مقبرته. وفي هذه السير، صور الفرد كانعكاس للسياق الثقافي والاجتماعي للمجتمع المصري القديم. وكنتيجة غير مباشرة، ألقت تلك السير –بشكل عفوي- بأضواء كاشفة على التاريخ الاجتماعي والسياسي والاقتصادي لمصر القديمة.
ويعد هذا الجنس الأدبي طرازًا أدبيًا فريدًا ظهر في مصر القديمة مقدمًا الفرد المصري في سياق أخلاقي وقيمى ومجتمعي وثقافي وأخروي يختلف تمامًا عن مفهومنا الحالي لفن السيرة الذاتية الحديثة. فهذا الشكل الكتابي ينتمي للأدب المصري القديم في سياقه العريض، وعلى وجه الخصوص إلى العقائد المصرية القديمة التي تميل إلى إظهار المتوفى في صورة مثالية تكون شفيعة وتكفل له دخول دخول جنات النعيم (حقول الإيارو) في العالم الآخر.
وكان تأليف تلك السير نمطيًا للغاية في معظم الأحوال. وتتكون السير عادة من ألقاب وصفات صاحب السيرة، واسمه وشجرة عائلته، والنداء إلى الأحياء، والنص القصصي، وتمنيات للحياة الآخرة. وكان من المكونات الأساسية للسيرة الكاملة النموذجية ما يعرف بـ «النداء إلى الأحياء» ضمن صيغة تقدمة القرابين للمتوفى. وإذا لم يحصل المتوفى على الرابين التي كان يتوقعها ويريدها، يمكنه من خلال هذه الصيغة أن يتوجه بندائه للأحياء المارين بمقبرته كي يتلوا من أجله صيغة أقرب للتالية: «يا أيها الذين (مازالوا) يعيشون على الأرض، الذي سوف يمرون بمقبرتي هذه، سواء أكنتم ذاهبين إلى الشمال أو إلى الجنوب، الذين يحبون الحياة ويكرهون الموت، والذين سوف يقولون «ألف رغيف من الخبز وإناء من الجعة من أجل صاحب هذه المقبرة»، سوف أحرسهم في الجبانة؛ لأنني ممتاز مزود بروح طيبة وخيرة».
ثم حدث تطور لاحقًا للنداء إلى الأحياء عرف بصيغة «لفظة الفم». وفي هذه الصيغة، يؤكد المتوفي للأحياء أنه لا يريد منهم غير ترديد نداء من أجله، وأن هذا الفعل عنده أفضل من الحصول على القرابين المادية. وكانت هذه الصيغة تكتب عادة على النحو التالي: «من فضلكم أعطوني مما في أيديكم. لكن (على سبيل المثال) إن لم هناك شيء في أيديكم، قولوا فقط بألسنتكم «ألف من الخبز والجعة والثيران والطيور و(أواني) الألباستر والكتان، (في الواقع) ألف من كل الأشياء النقية من أجل صاحب هذه المقبرة». إنه (بعد كل شيء) لفظ بالفم. وهذا لا يعد شيئًا يقلق المرء بصدده، وهو أكثر إفادة للشخص الذي يفعله أكثر من الذي يتسلمه». وفي هذا ما يوضح أن السير المنقوشة على جدران المقابر كرست وقدمت وأعلت من شأن أصحاب المقابر، وعبرت عنهم بأسلوب مكتوب عجزت المناظر والنقوش عن تقديمهم به. وكان من بين الجمل التقليدية في تلك السير ما يعبر عن أصل وعصامية أصحاب السير وقيمهم الأخلاقية ودورهم الاجتماعي نحو الطبقات المحتاجة في المجتمع؛ فعلى سبيل المثال يقول صاحب السيرة: «خرجت من بيتي، جئت من إقليمي». ويضيف: «أعطيت خبزًا للجائع والملابس للعاري». ونعرض فيما يلي بعضًا من نماذج السير من عصور مصرية متنوعة.
أولاً: جزء من سيرة حرخوف (عصر الدولة القديمة – الأسرة السادسة)
تعتبر سيرة الموظف حرخوف المنقوشة على واجهة مقبرته بأسوان من أهم وأروع السير في عصر الدولة القديمة وأكثرها كثافة وتفاصيل وإثارة وتشويقًا وإظهار للحياة خارج مصر ودور مصر الخارجي في النوبة في نهايات عصر الدولة القديمة. ولعل من أروع ما فيها ذلك الخطاب الذي أرسله الملك الطفل بيبى الثاني إلى حرخوف يوصيه فيه بالحفاظ على القزم الذي أحضره معه. وتعد ظاهرة تضمين خطابات من الملك لموظفيه من الملامح الجديدة في سير الدولة القديمة. وتظهر تلك السيرة أيضًا تطور ونمو فن السيرة وتحوله إلى جنس أدبي متميز في ذلك العصر المبكر. وبعد المقدمة التقليدية في السير والتي تتضمن عادة صيغة «قربان يقدمه الملك»، واسم وألقاب المتوفي صاحب السيرة، يقول حرخوف:
«جئت هنا من مدينتي، انحدرت من إقليمي. وبنيت بيتًا، وصنعت أبوابه، وحفرت بركة، وزرعت أشجار الجميز. لقد مدحني الملك، وأوصى أبي بوصية لي».
ثانيًا: جزء من سيرة إيخرنفرت (عصر الدولة الوسطى – الأسرة الثانية عشرة)
ومن الدولة الوسطى، نورد جزءًا من سيرة إيخرنفرت المعروفة على لوحة برلين 1204 بالمتحف المصري ببرلين بألمانيا. وفي هذا النص الأدبي المتميز، يصف لنا إيخرنفرت المهمة التي أرسله فيها الملك سنوسرت الثالث من البلاط الملكي في اللشت شمال البلاد إلى أبيدوس في الجنوب كي يرمم تمثال الإله أوزير، وتماثيل الآلهة الأخرى المرتبطة به، وكذلك كي يجلب ويعد المواد المستخدمة في الطقوس، فضلاً عن القيام بالخطوات المطلوبة لاتمام الطقسة الدرامية بأبيدوس. ويقول إيخرنفرت في جزء من ذلك النص المهم: «قمت بكل شيء وفقًا لما أمر به جلالته كي أجعل فعالاً كل أمر به سيدي من أجل أبيه، أوزير- سيد-الغربيين، سيد أبيدوس، القوى والأكثر عظمة في الإقليم الثينى».
ثالثًا: جزء من سيرة أحمس ابن أبانا (عصر الدولة الحديثة – الأسرة الثامنة عشرة)
تعد سيرة أحمس ابن أبانا واحدة من أفضل السير في عصر الدولة الحديثة. وهي منقوشة في مقبرته بالكاب بمصر العليا. وترجع أهمية ذلك النص الأدبي إلى كونه وثيقة تاريخية فريدة تحكى قصة طرد الهكسوس من مصر من منظور عسكري مصري كان شاهد عيان ومشاركًا في معارك تحرير مصر من محنة الاحتلال الهكسوسي البغيض. وفي ذلك الصدد، يقول أحمس ابن أبانا:
«الآن عندما كونت أسرة، ألحقت بالمركب «الشمالية»؛ لأنني كنت شجاعًا. وسرت خلف الحاكم على الأقدام عندما كان يقود عربته الحربية. وعندما حوصرت بلدة أواريس، قاتلت بشجاعة على الأقدام في حضور جلالته».
رابعًا: جزء من سيرة باك إن خونسو (عصر الدولة الحديثة – الأسرة التاسعة عشرة)
ترجع سيرة باك إن خونسو – المنقوشة على تمثال كتلة حاليًا بمتحف الفن المصري بميونخ بألمانيا وكان أصلا في معبد آمون بالكرنك بالأقصر – إلى الأسرة التاسعة عشرة. وشغل باك إن خونسو منصب كبير كهنة آمون لمدة عشرين عامًا بداية من العقد الثالث من عهد الملك الشهير رمسيس الثاني. ويقول باك إن خونسو في جزء من سيرته:
«أيها الكهنة، وآباء الإله، والكهنة المطهرون في معبد آمون: اعطوا باقات إلى تمثالي، وتقدمات لي، (لأنني) كنت خادمًا فعالاً ليس يده، متسقا مع ماعت وكرهت الشر، ومعظمًا من أنعم إلهه؛ كبير كهنة آمون، باك إن خونسو، (صادق الصوت)».
خامسًا: جزء من سيرة باي إف إتشوا إم عاوي نيت (العصر المتأخر – الأسرة السادسة والعشرون – أو العصر الصاوي)
توضح سيرة باي إف إتشوا إم عاوي نيت أنشطة الترميم والحفاظ على تراث الأجداد والأسلاف التي اتبعها ملوك الأسرة السادسة والعشرين الصاوية. ففي نهايات العصر الصاوي، جاء هذا الموظف المهم باي إف إتشوا إم عاوي نيت من الشمال في مهمة ملكية لترميم وإصلاح وإعادة بناء معبد الإله وغيره من شؤون أبيدوس والإقليم الثينى في جنوب مصر. وهذه السيرة منقوشة على تمثال موجود بمتحف اللوفر في باريس في فرنسا ويحمل رقم «93 أ». وفي مختتم سيرته، يقول باي إف إتشوا إم عاوي نيت راجيا من الإله: «يا ليته يعطى الحياة لولده، أمازيس (الاسم اليوناني للملك أحمس الثاني) ابن نيت، يا ليته يعطينى هبات من الملك، وتبجيلاً أمام الإله العظيم! أيها الكاهن، امدح الإله من أجلى! يا أيها الذين تأتون من المعبد مباركين، قولوا: يا ليت المشرف على القصر الملكي باي إف إتشوا إم عاوي نيت، ابن نع إن إس باستت، يكون في مركب الإله، يا ليته يحصل على الخبز الأبدي بين أوائل المباركين».
سادسًا: جزء من سيرة تاي إيمحتب (العصر البطلمي – عهد كليوباترا السابعة)
تعد سيرة النساء قليلة في مصر القديمة وظهرت متأخرة عن سير الرجال. وتؤرخ سيرة تاي إيمحتب عهد الملكة البطلمية الشهيرة كليوباترا السابعة. وهذه السيرة مكتوبة على لوحة محفوظة حاليًا في المتحف البريطاني في لندن في انجلترا وتحمل رقم 147. وتقص سيرتها إنجابها ثلاثة بنات وطفلها الذكر الذي طال انتظاره. وتقول تاي إيمحتب في هذا الشأن:
«هو (الإله) جعلني أحمل بطفل ذكر». ومن خلال ما تقدم يتضح لنا تميز وتفرد وقدم فن السيرة في الأدب المصري القديم عبر معظم عصور التاريخ المصري القديم. وأنه كان خير وسيلة تعبر عن طبقة النبلاء وتوضح بجلاء أفكارها ومعتقداتها وتراثها وتطلعاتها لما بعد الموت والحياة الأخرى. وأن تلك الطبقة كانت تسعى حثيثًا للقضاء على النسيان ومحاربة إهمال ذكرى وشأن وأمر صاحب السيرة بعد الموت. وأنه كان عند هذه الطبقة رغبة عارمة في الحفاظ على ذكراها حية طيبة ومتمتعة بمفور الجزل والعطاء الذي كانت تحظى به في الحياة الدنيا الفوز بأبدية لا شقاء ولا فناء من بعدها.