بقلم: م. هيثم السباعي
مقدمة:
لا تهدف هذه الدراسة الطويلة نسبياً إلى تخوين أواتهام أحد بالمسؤولية عن ماحدث ويحدث في منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي عامة وسورية خاصة. ولكنها تهدف إلى إلقاء نظرة موضوعية عن أسباب هذه الأزمات وتطورها المستمر حتى وصلت إلى ما وصلت إليه من تدهور وتفرقة وتمزق شمل جزءاً كبيراً من العالم العربي.
قبل أن أستأنف الحديث عن الموضوع لابد من التذكير بأن: “كتب التاريخ التي تدرس في جميع مدارسنا تصور الأحداث بصورة تختلف عن الواقع كل الإختلاف…يخطئون حين يحسبون أنهم في تجنبهم لخوض التفاصيل وشرح الأسباب الحقيقية يخدمون المصلحة الوطنية، فهم يضرون بها من حيث يريدون خدمتها (١)”
من المفيد الإشارة إلى أن الدراسة لن تتوسع وتتطرق للصراعات في اليمن أو ليبيا وشمال أفريقيا مثلاً لأن أسبابها مختلفة، كما أنها حديثة نسبياً، رغم أن هناك تشابه ببعض منها. لذلك ستركز دراستنا هذه، إن صحت تسميتها بالدراسة، على بلاد الشام التي تشمل سورية. لذلك فكرت بأن أعنونها أيضاً “أزمات بلاد الشام، سابقاً ولاحقاً.” الحقيقة أن هذا العنوان قد يكون العنوان الأصح لبلاد كانت موجودة بهذا الإسم أصلاً حتى مسحها الإستعماريون المنتصرون بالحرب العالمية الأولى وقاموا بتقسيمها على الشكل الذي نراه حالياً. ليس هذا فقط، فهم لم يكتفوا بالتقسيمات السابقة بل يريدون اليوم تقسيمها من جديد إلى أجزاء أصغر على أسس إثنية وطائفيه.
أعتقد دون الإستناد إلى مرجع أو تفسير سابق بأن تسمية بلاد الشام هي تعريب للتسمية العبرية بلاد سام لأنه أيضاً دون الإستناد إلى مرجع أعتقد أن السين العبرية تلفظ شين بالعربيه.
تقتضي الأمانه العلمية أن أشير إلى أن أحد المراجع التي استندت إليها، خاصة بالجزء المتعلق بتاريخ حلب القديم نقلته من صفحة الأستاذ الكبير محمد قجة رئيس جمعية العاديات في حلب وأحد كبار مؤرخيها. المراجع الأخرى كثيرة سأحاول بنهاية البحث ذكرها، أو على الأقل ذكر أهمها.
لابد لكي نفهم مجريات الأمور الحالية من الغوص بتاريخ المنطقة من العصور القديمة جداً حتى اليوم كي ندرك لماذا وكيف وصلنا إلى مانحن علية وإلى أين المفر؟ إن استطعنا سوية اقتراح بعض الخطوط العريضة التي تمكننا من الخروج من المأزق بل المآزق التي نعاني منها.
لابد لكي نفهم جيداً مايجري اليوم من العودة إلى التاريخ السحيق لبلاد الشام وموقعها لأنه، برأيي الشخصي الذي قد يوافقني علية البعض ويختلف معه كثيرون له علاقة وثيقة بمجريات الأمور اليوم. لا أستعجل أحداً كي يوافقني الرأي أو يختلف معه ولكننا سنعود إلى هذا التساؤل في نهاية الدراسة ونطرح هذا السؤال من جديد.
سورية ماقبل التاريخ:
تعتبر بلاد الشام وتحديداً سورية من أقدم البلاد التي سكنها البشر وعرفت أول المجتمعات الزراعية ومهد الأبجدية الأولى في التاريخ، فدمشق وحمص وحلب من أقدم مدن العالم.
ذكرت في المقدمة أن جزءاً كبيراً من الحديث عن حلب أخذته من صفحة إبنها البار الباحث والمؤرخ رئيس جمعية العاديات الأستاذ محمد قجة، فإليه أتوجه بالشكر الجزيل على جهوده الكبيرة بجمع تلك الكمية الهائلة من المعلومات. إذ كان لمدينة حلب النصيب الأكبر من الدمار لأهميتها التجارية ووقوعها فيما بعد على طريق الحرير، ولعلها من أكثر مدن العالم تعرضاً للدمار عبر التاريخ البشري، ولكنها كانت دائماً تنهض من تحت الأنقاض وتستأنف رحلة حياتها وردة متفتحة.
اكتشفت بقايا إنسان نياندرتال الذي عاش قبل ١٢٠ ألف عام في “الديدرية” في منطقة حلب كما بينت تنقيبات “تل القرامل” بداية الإستيطان الزراعي في منطقة حلب التي تعود إلى ١٢ ألف عام قبل الميلاد.
شهدت سورية وخاصة حلب خلال الفترة الممتدة من العام ٤٠٠٠ حتى العالم ٣٣٣ قبل الميلاد دول وحضارات مختلفة من السومريين حتى الإغريق. دمر ريموش الأكادي حلب عام ٢٥٢٥ قبل الميلاد وقامت على أنقاضها الممالك العمورية أواخر الألف الثالث قبل الميلاد في بابل وماري ويمحاض “حلب” وإيبلا.
اجتاح الحثيون بقيادة “حاتوشيلي” حلب عام ١٦٢٠ قبل الميلاد ودمروها وتلاه إبنه “مورشيلي” واتخذوها عاصمة لهم. وصل الفراعنة بقيادة تحوتمس الثالث في عام ١٤٧٣ قبل الميلاد إلى الفرات بعد معركة مجيدو مع التحالف السوري.
عاد الصراع على النفوذ بين الحثيين والفراعنة في عام ١٢٨٥ قبل الميلاد. كانت معركة قادش من أبرز معالم ذلك الصراع بين ملك حلب الْحِثِّي “تلميشاروما” ورمسيس الثاني انتهت بزواج الأخير من أميرة حثية، يقال أنها الزوجة رقم ٤٠١. سقطت المملكة الحثية في أواخر القرن الثاني قبل الميلاد وقامت على أنقاضها الممالك الآرامية. الطريف بهذه الممالك أن عددها ٢٢، وهو العدد نفسه في جامعة الدول العربية!!!! وقد أنهى الآشوريون تلك الممالك على يد شلمنصر الذي دخل حلب ودمرها في عام ٨٥٣ قبل الميلاد. جاء بعدهم الفرس الإخمينيون وأقاموا إمبراطوريتهم ودخلوا حلب ودمروها عام ٥٤٠ قبل الميلاد.
للحديث بقية