بقلم: فرج ميخائيل
العمل ثم العمل ثم العمل..هو العلاج الامثل لكل مشاكل مجتمعنا فى الوقت الحاضر.من سنين بعيدة كانت ضرورة العمل تقتصر على توفير الاحتياجات المادية التى يمكن ان تتوفر لنا بسخاء اذا ما عملنا بجد واجتهاد فنحصل على المال الضرورى لتوفير الحياة الرغدة التى نسعى اليها وبالتالى يتبعها تحقيق امانينا و مستوى معيشة مختلف يمكننا من العيش فى مجتمع اكثر تقدما وسعادة.
وكانا نكتفى بساعات عمل محددة تنتهى فنعود الى منازلنا فى سلام لنرتاح من عناء العمل نتقابل مع الاهل والأصدقاء ونتجاذب اطراف الحديث ونتبادل الاخبار والخبرات..ما اجملها حياة! كانت خلية نحل مفعمة بمعنى الحياة الاخلاص فى العمل ..،الاهتمام
بالأسرة..اداء الفروض الدينية..وكان يحمى هذه الاجواء الامن والآمان ويزينها الحب والتعاطف مع الغير…كانت ايام هادئة منظمة ورائعة تحقق الاستقرار النفسى وبالتالى الافكار الايجابية والحياة بدون مشاحنات.
ولكن الان اصبح للعمل اهمية مطلقة ومؤثرة بشكل ملحوظ على المستوى المادى والاجتماعى والتعليمى والثقافى والأكثر اهمية المستوى النفسى..اصبح العمل منذ عدة سنوات هو الالف والياء فله الاولوية فى حياتنا بصرف النظر عن الاحتياج المادى …فأصبح وسيلة وهدف وغاية يمكن للإنسان ان يضعها فى مقدمة اولوياته ويضحى بكل ما هو عزيز وغالى من اجله..فيضحى بوقته كاملا ووقت الاسرة والأصحاب وايضا وقت العبادة …فينسى الانسان انه انسان وليس آلة تدور وتدور دون مراعاة او تمييز.
فأصبحنا ندور ونلهث على اطراف دائرة مفرغة ونتيجة لسرعة الدوران لا نرى ولا نشعر ولا نهتم فليس هناك وقت حتى لالتقاط الانفاس…
فيشعر من هم حولنا بالفراغ القاتل نتيجة لغياب الالفة و الاهتمام بتفاصيل الامور التى احيانا تكون الاهم على الاطلاق..فتلجاء الاطراف المتضررة الى شغل اوقاتها اكثر من اللازم حتى تواكب السرعة وتستطيع ان تقضي على الفراغ وتسير على هذه الوتيرة حتى تتناسى مشاعرها فلا تشعر بالأم والإحباط النفسي والعاطفى…
والنتيجة المؤسفه هى حياة بدون روح تحقق سعادة مؤقتة زائلة وزائفة..حياة ليس لها عمق فنعيش نهيم فيها وكأننا فقدنا قوة الجاذبية التى تجعل لنا مركز ثقل وتوازن على صعيد العمل والأسرة.
فتصبح الاصحاب هم زملاء العمل حتى تتوطد العلاقة وأصبحوا هم الاهم لانهم “فى نفس المركب”
التى يحرصون ان تصل بهم الى شاطئ الامان..فلم يعد الامان فى الاسرة ولم يعد افراد الاسرة فى هذه “المركب” ..فيالها من حياة تعيسة..تؤدى الى عدم الترابط والمزيد من الانانية فيتجه كل واحد فى طريقه ولو على حساب الاخر ، محققا ما يريده لنفسه حتى لو كان هذا مرفوضا من اقرب الناس الى قلبه..عجبا..
وعجبا ايها الانسان لماذا تبدأ ما لم تستطيع اتمامه على اكمل وجه ؟..لماذا تسعى الى بناء اسرة قد يمكنك ان توفر لها الاحتياجات المادية ولكن لا يسعك ان تهتم بها اهتماما عاطفيا يحقق لها التوازن النفسى ويحميها من التقلبات والانحرافات؟… فهذه الاسرة لا تعامل معاملة الحيوانات الاليفة حتى تضع لها الماء وتوفر لها الطعام ثم تعود منهكا فى نهاية يومك حتى انك لا تقوى على القاء التحية والاطمئنان على احوالها وما مرت به او ما عانت منه على مدار يومها…
بأسا لنا ..اى حياة نحياها ..نمثل فيها على اعلى مستوى حتى نوهم ونتوهم اننا سعداء بما حققناه من نجاحات وان من حولنا فى احسن حال….
نعم اننا نقدس العمل ولكن لاننسى ايضا تقديس الانسان فهو اول اهتمامات الخالق واهم مخلوقاته ..فكما تتوقع ان الله سيسألك عن امانتك فى عملك فسيطالبك ايضا عن من هم تحت رعايتك ومسئوليتك ليس فقط احبابك وأصحابك فأنت دورك ثانوى فى حياتهم انما هناك من انت مسئول عنهم مسئولية كاملة فأنت بالنسبة لهم بعد الله سبحانه وتعالى الملجاء والملاذ والحماية وأنت فى حياتهم ليس لك بديل…
فلتفطن ايها الانسان ولتلاحظ اعطى جزاءا من اهتمامك ووقتك يوميا لأسرتك التى تستحق منك الاصغاء بل وواجب عليك ان تظهر صدق مشاعرك نحوها بهدوءك وحبك ورعايتك وإرشادك المعتمد على فطنتك و ذكاءك وثقافتك وخبراتك ووصايا ربك… من له اذانان للسمع فليسمع..