بقلم / مسعود معلوف
سفير متقاعد
منذ حملته الإنتخابية في العام 2016 لدخول البيت الأبيض ثم للعودة الى الرئاسة في ولاية ثانية عام 2024، أطلق دونالد ترامب شعاره الشهير “لنجعل أميركا عظيمة من جديد”، موحياً بذلك ان الولايات المتحدة كانت فعلاً عظيمة، ولكنها تراجعت كثيراً في أيام حكم أسلافه. فهل سيعيدترامب لأميركا عظمتها السابقة؟
من أجل الإجابة عن هذا السؤال، علينا النظر الى نتائج سياسة ترامب على الأرض في الداخل الأميركي وفي سياسته الخارجية كي نرى في أي اتجاه تسيرالولايات المتحدة.
أولا: على الصعيد الداخلي
- بالنسبة الى المهاجرين: بدأ ترامب ولايته الثانية مع بداية هذا العام بشن هجوم قوي جدا على “المهاجرين غير الشرعيين” متهماً إياهم بأنهم يأتون الى الولايات المتحدة من دول مجاورة خارجين من المصحات العقلية ومن السجون، وهم “يسممون الدم الأميركي” على حد قوله. الجميع يعلم أن في الولايات المتحدة اعداداً كبيرة من المهاجرين غير الشرعيين الذين يأتون في المواسم الزراعية ويساهمون مساهمة ملموسة في الإنتاج الزراعي وفي البناء. ولكن الرئيس ترامب تبنى سياسة عدائية تجاه جميع المهاجرين، حتى أولئك المقيمين على الأراضي الأميركية منذ سنين طويلة، وباشر بترحيل مئات الآلاف منهم الى دول أميركا اللاتينية، أحياناً تأخذهم الشرطة من مراكز عملهم ويتم توقيفهم في سجون وأماكن مذرية تمهيداً لنقلهم خارج الولايات المتحدة، تاركين وراءهم عائلاتهم وأطفالهم وكل شيء يخصهم.
- الحكم شبه الديكتاتوري: منذ تسلمه الرئاسة، أوكل ترامب الى الملياردير الذي يعتبر أغنى رجل في العالم إيلون ماسك خلق إدارة جديدة تابعة للحكومة مهمتها مبدئياً ترشيق الإدارة العامة، وقد تم صرف مئات آلاف الموظفين من مختلف الوزارات كما تم إلغاء عدد من الوكالات وفي طليعتها “الوكالة الأميركية للتنمية الدولية” التي كانت تؤمن مساعدات إنسانية لدول فقيرة بعشرات ملايين الدولارات. ثمبدأ ترامب بتنفيذ سياسة الإنتقام من أخصامه بصورة عامة عبر طرد عدد غير قليل من كبار المدراء الذين لا يؤيدون مواقفه الشخصية التي لا تؤمن المصلحة العامة، كما أنه طرد المسؤولة الأولى في مركز الإحصاءات إذ كانت الأرقام الشهر الماضي تشير الى تزايد كبير في أعداد العاطلين عن العمل، متهما هذا المركز بالتلاعب بالأرقام من أجل الإساءة إليه كونها معينة من قبل الرئيس السابق جو بايدن، وعين مكانها شخصاً يدين له بالولاء التام. وهو يتصرف بطريقة ديكتاتورية غير آبهٍ بالدستور ولا بالقوانين.
- التعتيم على فضائح: يحاول ترامب إخفاء وعرقلة نشر تحقيقات سبق ان أجريت مع المواطن الأميركي المدعو جيفري إيبستاين الذي انتحر في السجن بعد إدانته بأعمال غير أخلاقية مع عدد كبير من النساء ومنهن قاصرات، ويعتقد كثيرون انه قتل في السجن ولم ينتحر، ويظهر من فيديوهات قديمة أن ترامب كان على علاقة وثيقة مع هذا الرجل، ولكن الرئيس يقوم بجهود كبرى مع رئيس مجلس النواب مايك جونسون الذي هو من أتباع ترامب كي لا يصدر قانوناً يجبر المحكمة على نشر التحقيقات، وهذا ما أدى الى بعض الإنشقاق داخل الحزب الجمهوري الذي هو حزب الرئيس ترامب، إذ أن عددا من النواب يصرون على إصدار مثل هذا القانون ويدفعون المجلس النيابي في هذا الإتجاه، وترامب يهددهم بأنه سيدعم أخصامهم في الإنتخابات النيابية التي ستجري العام القادم.
- استعمال الجيش بدل الشرطة: بذريعة أنه يود محاربة الإجرام وتحقيق المزيد من الأمن في العاصمة واشنطن، أدخل ترامب الجيش والحرس الوطني الى العاصمة حيث تقوم هذه القوات بتوقيف المحتجين بصورة عشوائية، ويوقفون بصورة خاصة أشخاصاً ذوي ملامح لاتينية لترحيلهم من البلاد، وهذا ما أثار نقمة في واشنطن على هذه التصرفات. وقد لمح ترامب بأنه سيقوم بالعمل نفسه في كل من شيكاغو وبالتيمور وغيرهما من المدن المعروفة بميولها نحو الحزب الديمقراطي المناهض للحزب الجمهوري. الجيش عنده مهمات لحماية الحدود، والحرس الوطني يتدخل في حالات التمرد، ولكن ترامب لا يأبه للقوانين والدستور ويتصرف بطريقةديكتاتورية.
ثانيا: على صعيد السياسة الخارجية - على صعيد إيقاف الحروب: في حملته الإنتخابية الأخيرة للعودة الى البيت الأبيض، ركز ترامب على أنه رجل السلام الذي يود وضع حد للحروب في العالم مدعيا أنه في حال فوزه في الإنتخابات فإنه سينهي الحرب الأوكرانية في مهلة أربع وعشرين ساعة وحتى قبل تسلمه الرئاسة. والآن بعد حوالى عشرة أشهر على فوزه وثمانية أشهر على دخوله البيت الأبيض، ما زالت الحرب دائرة بصورة تصاعدية، وكل المساعي التي قام بها كانت فاشلة. كذلك مساعيه لإنهاء حرب إسرائيل على غزة لم تنجح وفي ذلك فشل واضح له.
- الرسوم الجمركية: بدأترامب ولايته الثانية بالإدعاء بأن معظم دول العالم تستغل الولايات المتحدة عبر تصدير منتوجاتها الى الداخل الأميركي،ففرض رسوماً جمركية على عشرات الدول بما فيها أقرب الحلفاء للولايات المتحدة مثل كندا والمكسيك والإتحاد الأوروبي،فردت هذه الدول بالمثل ما اضطر ترامب الى التفاوض معها من أجل تخفيض الرسوم الأميركية بعض الشيء، ولكن فرض هذه الرسوم أثر سلبا على الإقتصاد الأميركي إذ يتحمل المستهلك الإرتفاع في الأسعار،كما أدى الى بعض الإنكماش الإقتصادي بالإضافة الى التدني الكبير في ثقة هذه الدول بالرئيس الأميركي وبالولايات المتحدة بصورة خاصة.
- الإنسحاب من منظمات دولية: في ولايته الأولى، سحب ترامب الولايات المتحدة من منظمة اليونيسكو واتفاقية باريس للمناخ ومنظمة الأونروا بالإضافة الى الإنسحاب من الإتفاقيةالنووية مع إيران الموقعة عام 1995 في عهد الرئيس الأسبق أوباما. بعد خسارته في انتخابات عام 2020 واستلام جو بايدن الرئاسة، أعاد بايدن انضمام الولايات المتحدة الى هذه المنظمات، وما أن عاد ترامب الى البيت الأبيض هذه السنة حتى سحب الولايات المتحدة مجددا منها، وهذا ما أدى الى خسارة أميركا لمصداقيتها في علاقاتها الدولية إذ أصبحت ارتباطاتها تتغير بتغير الرئيس، علما ان مثل هذه الأمور لم تحصل إلا في عهد ترامب الذي يدعي أنه يود أن يجعل أميركا عظيمة من جديد.
- علاقات ترامب الدولية: معروف عن الرئيس ترامب أنه يتخذ معظم قراراته حسب ميوله ومصالحه الشخصية إذ رأينا كيف أنه، بعد أن فرض رسوما جمركية بنسبة 25% على الهند في بداية عهده، ضاعف هذه النسبة منذ اسبوعين بعد أن نفى رئيس وزراء الهند نارندرا مودي ما قاله ترامب بأنه هو الذي أنهى الحرب بين الهند وباكستان. كذلك فعل ترامب مع البرازيل عندما حاول فاشلا أن يتدخل لتجنيب محاكمة صديقه الرئيس السابق للبرازيل جاير بولسونارو الذي كان على علاقة جيدة جداً بالرئيس ترامب والمتهم حالياً بمحاولة انقلاب. نتيجة لهذه التصرفات من قبل ترامب، ابتعدت هاتان الدولتان عن الولايات المتحدة وأصبحتا متقاربتين مع كل من روسيا والصين, وها نحن نرى اليوم تحالفات مناهضة للولايات المتحدة تنضم اليها دول كانت من حلفاء أميركا.
- حرب إسرائيل على غزة: لقد أظهر ترامب تأييدا قويا لإسرائيل في حربها على غزة وما نتج عن هذه الحرب من اتهامات دولية لإسرائيل ونتنياهو بإبادة جماعية وجرائم حرب عبر قتل عشرات آلاف النساء والأطفال والأطباء والصحافيين وتدمير المدارس والمستشفيات والمنازل، وكل ذلك بدعم أميركي بالسلاح والمال وعبر حماية إسرائيل في الأمم المتحدة، ما أدى الى عزلة واضحة للولايات المتحدة وإسرائيل، خاصة بعد أن أعلنت بعض الدول الأوروبية التي هي أعضاء في حلف شمال الأطلسي مع الولايات المتحدة استعدادها للإعتراف بالدولة الفلسطينية في الإجتماعات القادمة للجمعية العامة للأمم المتحدة. وقد أدى الرفض الأميركي منح تأشيرة دخول للوفد الفلسطيني برئاسة محمود عباس لحضور هذه الإجتماعات في نيويورك الى مزيد من العزلة للولايات المتحدة مع الحديث عن احتمال نقل الإجتماعات من نيويورك الى جنيف مثلما حصل في الماضي أيام ياسر عرفات.
هذا هو وضع الولايات المتحدة الآن في عهد الرئيس ترامب، علماً اننا لم نذكر الا بعض المواقف والتصرفات التي اتخذها ترامب منذ عودته الى البيت الأبيض مطلع هذا العام،ولا يسعنا إلا أن نختم هذه المقالة بالتذكير باجتماع للحكومة الأميركية حصل منذ أيام في البيت الأبيض برئاسة ترامب، حيث شوهد الوزراء يتبارون في من يقدم اقوى وأفضل مديح للرئيس بصورة لم يشهدها العالم من قبل،هذا مع التوضيح أن ترامب، في ولايته الثانية، أحاط نفسه بوزراء ومدراء ومستشارين يدينون له بالولاء التام، ويؤيدونه بلا حدود في كل ما يفعله ويقرره، ونتركللقارئ أن يستنتج من كل ما سبق إن كان الرئيس ترامب سينجح في تحقيق شعاره في جعل أميركا عظيمة من جديد.