بقلم: فـريد زمكحل
كان السودان دائما وأبداً محط اهتمام الدول العظمى، وبعض الدول الإقليمية لموقعه المهم أولا وتأثيره السياسي والأمني ثانياً، حيث يجاوره مصر من الشمال، وتشاد وليبيا من الغرب، وإريتريا وأثيوبيا من الشرق، ويطل على البحر الأحمر الذي يربط بين أهم ممرين بحريين هما باب المندب وقناة السويس الذي يتسابق الروس والأتراك فيما بينهما لإقامة قاعدة بحرية عسكرية لهم هناك لإحكام السيطرة العسكرية على باب المندب وقناة السويس .
الروس لتعزيز دورهم في أفريقيا وفرض السيطرة التامة على مناجم الذهب السودانية. أما تركيا فتسعى بالإضافة لما يسعى إليه الجانب الروسي إلى تحجيم الدور المصري من خلال مساسهما المباشر بالأمن القومي المصري مع فتح منفذ جديد لتركيا على ليبيا من جهة الغرب.
ولا أستطيع القول أو وصف ما يحدث في السودان من اقتتال بالحرب الأهلية بقدر ما هو مجرد حرب بين الجنرالين قائد الجيش الفريق عبد الفتاح برهان، وبين قائد قوات الدعم السريع الفريق محمد حمدان دقلو الشهير بـ «حميدتي» على كل مساحة الأراضي السودانية من مدينة الخرطوم حتى دارفور المرشحة للإنفصال عن الدولة الأم وعائمة على بحر من البترول يقدّر بأكثر من مليار برميل، مروراً بأم درمان ومروي والفاشر وهو ما يعقد الوضع الميداني على المستويين العسكري والسياسي، وقد يؤدي في حال استمراره إلى الوصول لمستنقع الحرب الأهلية مع غياب الحل السياسي المناسب لوقف الوصول إليها والحيلولة دون حدوثها، خاصة مع أحداث الحرب الروسية الأوكرانية وانهماك العالم وانشغاله بما يحدث فيها مع الأخذ في الاعتبار الوضع المتأزم والمشتعل بين الصين وتايوان، وبدء ظهور بعض التدخلات الخارجية التي قد تطيل من أمد الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، ومنها بعض الدول الإقليمية مثل دولة الإمارات من جانب والمملكة العربية السعودية من جانب بخلاف الدور المنتظر لعبه سواء من أثيوبيا أو من مصر بالإضافة للدور التركي وبعض التحركات المشبوهة من جانب عدد من الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية الساعية للحصول على اليورانيوم النقي الموجود في السودان وضم لها التفوق النووي، والصين وروسيا الاتحادية وما خفيَ كان أعظم.
والسؤال المهم الذي يفرض نفسه على مجريات الأحداث في السودان، هو الدور المصري المنتظر لحفاظ مصر على أمنها القومي وحماية مصالحها الوطنية وحقوقها التاريخية والجغرافية المشتركة مع السودان الذي تربطها به علاقات تاريخية بحكم الأرض والنهر والكهرباء والتجارة والزراعة والثروة الحيوانية والسمكية وخلافه.
الأمر الذي أتوقع أن تقوم مصر بالرد عليه خلال الساعات والأسابيع القليلة القادمة بوضوح، خاصة وكل الظروف المحيطة وملابسات الأحداث الجارية على الأرض تفرض عليها ضرورة اللجوء إلى حماية مصالحها ولو بالقوة المسلحة لحماية أمنها المائي وأمنها القومي بصفة عامة والذي يُعَّد السودان العمق الإستراتيجي له ولا خيار أمامها سوى العمل على حمايته حتى لا تكون خارج المعادلة النهائية للحساب الختامي على طاولة المفاوضات مع نهاية هذه الحرب، خاصة مع العداء الأثيوبي الواضح لمصر والمعلن بسبب تشييد أثيوبيا لسد النهضة ومحاولتها السيطرة على منابع النيل الشريان الرئيسي لاستمرار الحياة في مصر بعيداً عن التصحر ونقص حصتها المشروعة وحقها التاريخي في مياه هذا النهر المهم لمصر ولحياة الشعب المصري، ويُعد مسألة حياة أو موت بالنسبة لهم، علاوة على السعي الداؤوب من بعض الدول للسيطرة على مصر من خلال مساندة أثيوبيا ومساندة سيطرتها على نهر النيل، وبالتالي التحكم بالقرار السياسي المصري بصورة مباشرة ومؤثرة في آن واحد وهو ما لا يمكن لمصر قيادة وشعباً السماح بحدوثه مهما كلفها الأمر لأنه يقوِّض ويقيّد ويُقزِّم من دورها السياسي والعسكري والاقتصادي في أفريقيا وسيزيد من مصاعبها الداخلية بشكلٍ خطير وقد يؤثر على استقرارها السياسي وأمنها الداخلي الذي بات لا يحتمل أي تهاون من أي نوع مع هذا الملف بعد ما تعرض له رجال قواتنا المسلحة من إهانة لم يتم التعامل معها أو الرد عليها حتى الآن كما ينبغي!!