بقلم: تيماء الجيوش
تتغير النظم السياسية و الأمنية و هذا لا يعني بالضرورة تغيراً آنياً و حتمياً في النظم التقليدية الاجتماعية و الموروث الثقافي . على أية حال تتعدد الاحتمالات مع سياق هذا التغيير فمنها أن يبقى النظام الاجتماعي ثابتاً لا يجاري التحول التاريخي ، و منها أن يغدو أحياناً اشد محافظة مما سبق ، ومنها ما يكون بداية مرحلة بناء ثقافة جديدة تتسق و نشوء دولة حديثة . و هذا من الهام بحثه وتأثيره المباشر على النساء و العنف ضدهن على اختلاف أنواعه وأشكاله، والذي شهدنا كيف يتضاعف و تزداد درجة حدّته في عدة بلدان عربية في مراحل ما بعد الثورات، الحروب، الحروب الأهلية، الصراعات المسلحة.
هنا في هذه المساحة تحديداً نوقشت قبلاً مسألة جرائم الشرف في المجتمعات التي لا تزال تعتدُ بالعادات القبلية ، المهمشة ، النائية، مجتمعات أبوية متجذرة حيث يُعتقد أن أفعال المرأة تنعكس على كل من حولها ، يكفي توجيه اتهام ضد امرأة لتشويه سمعة أسرة بأكملها، ما يدفع هذه العائلة لان تُقرر القتل ووقته و من يقوم به ، يساندها في ذلك قوانين تُشّكل أساساً تشريعياً للقتل و التي غالباً ما يجدُ فيها الجناة مبرراً لفعلهم الجرمي بأنه نوع من حماية لشرف و قيم عائلية حيث تعمُ فكرة ان الحياة بلا شرفٍ لا تُعاش ، ومن الصعوبة بمكان إثبات أو مقاضاة هذه الجرائم ، وفي غالب الأمر لا شهود هناك ، ولا تحفيز حقيقي مجتمعي للأجهزة التنفيذية أي أجهزة الشرطة المحلية لملاحقة المشتبه بهم.
في ظل هذا البناء المجتمعي ، يؤدي كل ما سبق و بالنتيجة إلى أن تتحمل النساء طواعية إرثاً ووطأة جرائم ضدهن على أنهن حماةً لشرف العائلة أو المجتمع.
و الحقيقة أن ما يُسهم في زيادة قبول هذه الجريمة التأييد الضمني و المجتمعي له . ناهيك في هذا الحيز تحديداً فشل السلطة في سنّ قوانين جديدة تعاقب او تفشل في مقاضاة الجناة، والذين غالباً ما يُعفى عنهم أو ينالون عقوبات مخففة. فيضيع السؤال عن إدانة الجاني عن فعله الجرمي . و ما يعنيه هذا كله من انتهاك للعهود والمواثيق الدولية من مثل الحق في الحياة و الحرية و السلامة الشخصية والذي كان قد ورد في المادة الثالثة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، أو ما نهجت عليه المادة السادسة من العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية بذات السياق على الاعتراف بالشخصية القانونية لكل فرد و في مادتها السابعة في المساواة أمام القانون ، أو معاهدة سيداو بمجمل موادها التي دعت إلى المساواة و الحفاظ على حقوق المرأة و شجبت في مادتها الثانية كل أشكال التمييز و دعت الدول إلى فرض الحماية القانونية ، أو المادة الثالثة من الإعلان بشأن القضاء على العنف ضد المرأة التي نصت على أن المرأة لها الحق في التمتع بالحياة ، الحرية ، المساواة والأمن الشخصي.
منذ سقوط ديكتاتورية الأسدين في سوريا و ما قبله و ملف المرأة شهد أبعاداً مختلفة بالغة في العنف و الخطورة بشكلٍ غير مسبوق من استعباد داعش لهن ، زواج الصغيرات، الاعتقال، التعذيب، الاغتصاب، العنف الجنسي الذي تصاعد ، الخطف والتغييب القسري…رُميت النساء بالرصاص، حُرِقت، طُعِنت حتى الموت، و خُنِقت.
المنطق وصيرورة التاريخ يفرضان انه مع سقوط الأنظمة الدكتاتورية لا بد من تبني إستراتيجية مختلفة تتفق و طبيعة المرحلة من تغيير القوانين، توفير الحماية و الأمن ، زيادة الوعي المجتمعي، الشراكة، والاهم من هذا و ذاك تحليل جذور منهجية العنف مع تقديم الدعم للأفراد و المنظمات. تبقى الصدارة في رسم هذه الإستراتيجية ل التغيير القانوني و السياسي عبر مجموعة من القوانين التي لا لبس فيها او اجتهاد بحماية المرأة من كافة أشكال العنف و ضمان آليات المساءلة و العدالة. و بشكلٍ موازٍ يأتي زيادة الوعي و التثقيف في تحدي الصور النمطية عن المرأة و تعزيز مبدأ المساواة ، دعم قيادة المرأة و تعزيز مشاركتها في التغيير السياسي، الاجتماعي و الثقافي. و زيادة الوعي هنا تحديداً يعوزه موقف واضح و دور أكيد للمفكرين و المثقفين في تعزيزه . لكن هذا الموقف أحياناً يقع متأرجحاً بعيداً دون وصوله إلى الدرجة المرجوة بل يقع فريسة لازدواجية المعايير ، و هذا حدث منذ أيام حيث تمّ تداول بوست عبر صفحات وسائل التواصل الاجتماعي عن امرأةٍ سورية تصف حالة من الهلع و الخوف من تواجدها مع عائلتها في منطقة جغرافية مضطربة عسكرياً و امنياً و تستمر بالحديث عن شقيقها الذي يعلن لها و لشقيقاته بأنه سيقوم بقتلهن بالسلاح إن اقترب المقاتلين من منزلهم، و بحسب البوست يقول الأخ: « راح قوص كل النسوان و لا يغتصبوكن قدامي». . هو بوست بسيط من حيث تركيبه اللغوي لكنه حمل في ثناياه هماً إنسانياً ، و إرث النساء الثقيل مرة أخرى ، فعلى اكتافهن يقع حماية شرف العائلة ولا بد من دفع الثمن . المفارقة المؤلمة ليس هذا و حسب ولكن تداول هذا البوست و إعادة نشره من قبل بعض المثقفين من لهم تجربة سياسية و عمل في المنظمات المدنية مع التأييد المطلق له و شكر الرجل على موقفه الشجاع والفريد و استعداده لقتل شقيقاته لحماية شرف العائلة . لم ينتبه العديد منهم في ثنائهم هذا إلى أنه دعوى صريحة إلى ارتكاب جريمة شرف بكل ما تحمله من انتهاكٍ للقيم والمبادئ الإنسانية و انتهاك للعدالة الاجتماعية و مواقف القانون الدولي ، أو إلى العنف المضاعف الذي يقع على كاهل المرأة السورية. بالمبدأ مسألة زيادة الوعي ليست أمراً بالغ التعقيد ، لا خلاف انه يحتاج الكثير من الجهد و العمل بالتأكيد، لكنه يبدأ من معايير نضعها و ننقلها من مساحات النظرية إلى الممارسة العملية و التطبيق، إلى أن تكون جزءاً من نظامنا القيمي والأخلاقي و ليس بضعاً من تصريحٍ إعلامي. و دور المثقف تحديداً في زيادة الوعي المجتمعي محوري فهو يتجسد في نقد المعتقدات الخاطئة و العنف ضد المرأة من خلال النقاش العام و الكتابة و الإعلام الكلاسيكي و الحديث، و هو من يقع عليه عاتق شرح العنف ضد المرأة كجريمة وان المرأة هي شريك أساسي في مجتمعها ووطنها ضاق ام اتسع ، وان كل اجتهاد و تفسير لنص يجب ان يتم التدقيق فيه ،و ان اي تبرير لجرائم الشرف هو جريمة بحد ذاته.
وان احترام كرامة المرأة يعني احترام حقوقها كاملة غير منقوصة ،و ان العنف ليس حلاً في المجتمعات الحضارية و المدنية. هذا هو دور المثقف و المفكر في زيادة الوعي وليس التأييد المخزي و الجهل المُطبق بأبعاد ما ينطوي عليه مضمون ما يُكتب. ما حدث من تأييد و مدح كان سقطة أخلاقية قبل أي شيء آخر، كان ازدواجية في المعايير و تعبير صارخ عن دونية المرأة لدى البعض ممن يعتد بأنه جزء من نخبة المثقفين و المفكرين، ممن انتقى أن انتهاك حقوق المرأة جائز و أن العنف ضدها ممكن ، وان حقوقها مؤجلة إلى حين لا يُعرف مداه
































