قصة بقلم : نعمة الله رياض
نشأ سميح في قرية ريفية صغيرة منعزلة تقع علي ضفاف بحيرة المنزلة بشمال مصر، ليس بها مدارس أو معابد ، عاش وسط أسرة كادحة من صائدي الأسماك، كان له خمسة أشقاء وشقيقات ، ولم يكن والدة يهتم بتربية أولاده وتعليمهم، أما أمه فكانت تكافح وتفني حياتها للإعتناء وخدمة أسرتها الكبيرة .. وكان له شقيق يصغره بعامين، وكانا يتمتعان بصحة وقوة بدنية فائقة، إلا انه في إحدى رحلات الصيد، وقع الشقيقان في مياه البحيرة وأصيبا بالتهاب رئوي حاد.. مات علي إثره شقيقه بينما ظل سميح يصارع المرض والموت لعدة أسابيع إلي أن تعافى .. وعندما افاق من غيبوبة المرض ، أحس أن القدر قد منحه بعضاً من القوي الخارقة وغير العادية ، فعندما كان يلهو مع أشقائة ، كان يبهرهم بدقة معرفة عدد نوي البلح المخبأة في قبضة من يلهو أمامه ، بل انه كان يمكنه تحريك بعض الأشياء عن بعد بمجرد أن يركز نظره عليها ، وكان يرشدهم عن الأماكن التي يطرحون شباكهم في البحيرة ، فيخرجوها مكتظة بالأسماك !!.
كبر سميح وأصبح شاباً يتمتع بجسد ضخم طويل القامة، عريض الصدر، مفتول العضلات ، ذراعاه قويتان وراحتاه عريضتان ، له وجها جميلا» بفم دقيق وأنف معقوفة وجبهة عريضة وشعر مسترسل ولحية كثة، أما لون عينيه الرماديتين اللتين كان أعجب ما فيهما هو قدرته الخارقة على التأثير بهما علي الآخرين وكان ذلك هو سر انجذاب الناس الشديد إليه منذ باكورة مراهقته وبلوغه طور الرجال، كما كانوا لا يستطيعون مواجهة نظراته أو التحديق في عينيه طويلا. .!! فقد كانت له شخصية قوية كاريزمية مؤثرة للغاية..
إنزعج سميح ذات يوم ،عندما أخبره أخوته أن الوالدة طريحة الفراش وتعاني من حمي شديدة، فهرع إلي حجرتها ولمس يدها فتركتها الحمي في الحال وقامت وخدمتهم !
شعر سميح أن عليه أن يترك مهنة الصيد ويطوف بالقرى المحيطة بقريته يشفي المرضى ويخفف الآم الناس ، مستعينا»بقدراته الفائقة وموهبته التي نالها من القدر.. كان لا يجد اين يسند رأسه فبني عشة علي ضفة البحيرة من البوص والغاب وسعف النخيل ، ليستقبل فيها المحتاجين وذوي الأسقام .. وكان يأخذ من عطايا الأغنياء ليسد عوز الفقراء .. فذاع خبره في جميع التخوم المجاورة ، وجابت شهرته الآفاق وسمع بها القاصي والداني ، كانوا يأتون اليه من القري والمدن البعيدة يحضرون اليه الصم والبكم ومن بهم روح شريرة والمجانين وكان يشفيهم بنظرة عميقة من عينيه ولمسة ضاغطة من يديه وببضع كلمات غامضة من فمه .
وكان لرئيس المدينة المجاورة طفل يعاني من سيولة الدم وكانت حالته خطرة وتتفاقم وأصبح علي شفا الموت ، فأشار عليه أحد مساعديه بإستدعاء سميح ، وعدد له قدراته وعجائبه ، فوافق وأرسل عربته الخاصة لإحضارة ، دخل سميح المنزل وجلس إلي جوار الطفل ونظر طويلا بعينيه الثاقبتين لعيني الطفل ولمس جبهته وردد كلمات عدة مرات ، وأمره بالجلوس ثم الوقوف وشاهد جميع الحاضرين توقف النزيف ، فاندفعت والدته الي إبنها واحتضنته وسط ذهول الوالد وفرحة الجميع ..
بينما كان يمشي وسط حشد من مريديه ، كانت تسير خلفه إمرأة تشكو بالم مزمن في صدرها ، فقالت لنفسها إن لمست ثوبه ابرأ وعندما فعلت ذلك ، شعر سميح بالقوة التي خرجت منه ، فإلتفت إليها ، انهارت واعترفت بما فعلت ، فقال لها يا إمرأة إيمانك قد شفاك ..في اليوم التالي ذهبت اليه في عشته ، فقال لها :
- لماذا لم تحضري زوجك معك ؟
- ليس لي زوج ..
– بالصدق تكلمتي ، فالذي معك ليس زوجك ! - نعم يا سيدي كان عشيقى وهجرته عندما نلت الشفاء علي يديك ، وقطعت علاقتي به ، لكنه أخذ يلاحقني ويضغط علي بعنف لأعود اليه ..
– لا تعودي يا إبنتي إلي الخطية وتوبي توبة صادقة..
– لكني عندما قلت له اني تبت قال لي: لابد أن تخطئي لكي يكون للتوبه معني !!
– هذا كلام شيطاني إذهبي يا إبنتي بسلام ولا تعودي للخطية ..
مرت عدة أيام ، عندما سمع الناس صراخاً عظيماً ، اتجهوا لمصدر الصوت ، فاصابتهم صدمة شديدة عندما وجدوا سميح خارج عشته جالسا علي الأرض يبكي مثل الأطفال وهو يحتضن إمرأة مذبوحة من عنقها !! وكان ينتحب وهو يقول مراراً :- أنا تأخرت !!
حضرت الشرطة سريعاً وقبضت علي سميح الذي إستسلم لهم بدون مقاومة ولكنه كان مازال يردد : أنا تأخرت !! وضعوا القيد في يديه ورجليه وساقوه ليمثل أمام مأمور السجن ، فأمر بحبسه في زنزانة انفرادية ، في إنتظار المثول أمام القاضي..
في المحكمة ، قال شهود الإثبات انهم شاهدوا القتيلة تزور عشة سميح عدة مرات وتقف عند قدميه باكيه وتقبلهما وتمسح الدموع المتساقطة بشعر رأسها، وكانت تدهن قدميه بالطيب. وقال الشهود أيضاً إنهم وجدوا المتهم جالساعلي الأرض بجانب القتيلة وفي يده سكين ملوث بالدماء..
قال شهود النفي : «إن سميح كان يجول في الأنحاء يفعل خيراً .. وليس من المعقول إن الله يضع فيه موهبة كهذه ليقتل البشر، إنه ملاك نزل من السماء ..
سأل القاضي سميح هل قتلت المجني عليها ؟ لم يرد سميح .. أجل القاضي الجلسة لأسبوعين للنطق بالحكم .. أودع سميح مرة أخري في زنزانته.. وفي الصباح ، إستدعي المأمور سميح، فأحضره الحرس تحت رقابة مشددة .. سأله :
– لماذا قتلت هذه المرأة المسكينة بهذه الطريقة البشعة؟ - أنا تأخرت يا سيدي !! ..
– سيتولي ذلك المحققون المختصون ، لكن قل لي كيف تصنع هذه العجائب ؟ - إنها هبة من السماء يا سيدي ..
- إذا هل يمكنك مساعدتي ؟ انا أعاني من حصوات في مجري البول تحول عملية التبول إلي عذاب لا يطاق ..
– أنت رجل طيب يا سيدي ، إقترب مني قليلا ..
ضغط سميح براحتيه علي وسط وبطن المأمور ونفخ في وجهه وقال له : - إذهب لبيتك بسلام يا سيدي !!
فى جلسة النطق بالحكم ، عوقب سميح بثلاثين جلدة علي ظهره والإعدام شنقاً في ميدان عام ، في ظهيرة اليوم التالي .. حضرالإعدام جمع غفير من مريديه وأمه وإخوته وأشرف علي تنفيذ الحكم مأمور السجن الدموع تسيل من عينيه لإحساسه القوي ببرأة سميح، وكان من الصعب عليه إلإشاره ببدء الإجراءات فأوكل ذلك لنائبه .. طلب أشقاء سميح من المأمور إستلام جسد سميح لدفنه فسمح لهم.. دفن سميح في قبر أصبح بعد ذلك مزارا» للناس من جميع الأرجاء.
قبض علي عشيق القتيلة في قرية مجاورة بتهمة إثارة الشغب في مقهي وقتل ثلاثة أشخاص .. أثناء التحقيقات إتضح أنه قاتل متسلسل، فعندما أدرك أنه محكوم عليه بالإعدام لا محالة، إعترف بعدة جرائم قتل وإغتصاب ، ومن ضمنها إعترف تفصيليا» بذبحه لعشيقته عندما تعقبها وهي في طريقها لزيارة سميح في عشته ، ولحق بها قبل أن تصل للعشه وحاول إغتصابها، لكنها قاومته بشدة ، فذبحها وسط صراخ عم المكان وهرب بعيدا»، لكنه التفت خلفه ورأي سميح يخرج مسرعا من العشه ليفاجئ بالقتيلة مسجاه علي الأرض والدماء تنزف منها بغزارة ، فإحتضنها وهو يبكي ويصرخ قائلا :
أنا تأخرت .. أنا تأخرت!!