بقلم : شريف رفعت
الفقيد شاب في العشرينات، لم يكن مريضا و رغم ذلك مات فجأة، صُدِمَ الجميع لموته، لا يمكن وصف مشاعر الأب بالصدمة فالكلمة غير معبرة بطريقة دقيقة عن حالته، الأب الذي جلس مكلوما في مأتم ابنه قد يكون من الأدق وصفه بأنه منسحق، بأنه داخليا مات هو أيضا، و أن ما يظهر منه هو جسد خاوي بلا روح، فالروح قد فُقِدَت مع الابن.
جلس الأب مفجوعا يحاول أن يبدو متماسكا فيفشل، تهتز شفتاه، تدمع عيناه، صدره يختلج و يرتعش و هو يحاول جاهدا أن يمنع نفسه من النحيب و الانهيار. المعزون ينظرون إليه في أسى، أسى للمصيبة التي أصابته، هو الرجل الطيب الذي لا يؤذي أحداً و يحاول أن يساعد الجميع بشهامة و كرم و مروءة.
وقف القدر متأملا الرجل، متأملا ضعفه و انسحاقه و اختلاج ملامحه و محاولاته البائسة الفاشلة للتجلد، شعر القدر بالاشمئزاز من الرجل ومن ضعفه، تساءل “أين الرجولة؟ أين قوة التحمل؟ أين التجلد و المقدرة على تحمل الصدمات؟”، كلما أمعن القدر النظر في الأب كلما زادت مشاعره السلبية نحوه.
انصرف القدر متوجها إلى الصالة التي تجمعت فيها نساء العائلة، الأم تجلس في صدارتها متشحة بالسواد، رمقها القدر بتمعن، تبدو متجلدة و متماسكة بطريقة غريبة غير عادية، ملامح قوة من أعماقها تبدو على محياها في نبل و عزة نفس، هناك نظرة جامدة في عيناها تنطق إباءً، نظر القدر للأم مستنكرا، لم يعجبه ما اعتبره نضوبا في مشاعرها، تساءل “أليس لهذه المرأة قلب؟ كيف هي متبلدة المشاعر لهذه الدرجة؟ أتحاول أن تلعب دور البطلة التي إيمانها لا يتزعزع رغم نوائب الدهر؟”. تأملها لفترة عله يرى بوادر ضعف و فجيعة على وجهها، لكنه لم يجد أي من هذا.
انصرف القدر حانقا على الأم و الأب، في طريقه للخارج لمح ابنتهما أخت الفقيد، يحيط بها مجموعة من صديقاتها ليواسينها، شابة حزينة ترتدي السواد و الذي بطريقة ما زاد من حسنها.