بقلم: تيماء الجيوش
مجتمعاتنا الإنسانية و بطبيعة الحال تنضوي على نظمٍ قانونية، اجتماعية-اقتصادية، ثقافية و سياسية.
تتنوع النظم السياسية و تختلف أشكالها، وبرامجها التي تُنّفذ من قِبلِ حكوماتها المعنية بما يخدم مجتمعاتها وما يؤكد على دور القانون واحترامه ، إن كانت ديمقراطية بالطبع، و عبر مؤسسات دستورية، تشريعية، قانونية وإدارية.
ناهيك عن إضافة الزخم النوعي لقدراتها السياسية ودفع علاقاتها الدبلوماسية قُدما، إن كانت أهدافها تتمركز على التنمية والتحديث و التطوير.
وهذا طبعاً يتم في ظلٍ من السلام و احترام التنوع الاجتماعي، الاقتصادي و الإنساني و بالتأكيد تعزيز المجتمع المدني واحترام حقوق الإنسان لا سيما حقوق المرأة.
في حالة أفغانستان وفي أيامنا هذه ، كان مشهداً مُغرقاً في سرياليته رؤية حركة طالبان وقد عادت كنظام و حكومة الى الواجهة السياسية من جديد.
لم يطل الوقت حتى تعالت أصوات نساء أفغانستان عبر الأخبار المتناثرة مناشدةً تسأل دعم و تضامن نساء العالم و الحماية لما هو آتٍ على يدي حكومة طالبان و ضد النساء تحديداً.
المناشدة هذه و الخوف مما هو آتٍ من طالبان ليس بتحليلٍ غير واقعي أو مُجافٍ للمنطق. شهده العالم حين قدمت طالبان هويتها الأيديولوجية دون تردد منذ عقود وهي حقيقةً لا تختلف عن الحركات الدينية الراديكالية الاخرى ، و لا عن درجة عنف ممارساتها الممنهجة ضد النساء ودون هوادة، ربما ما اقترفته داعش هو الاقرب اليها في المنطقة. و ربما العامل المتمثل في تواجدها في مجتمعٍ محافظ كالمجتمع الأفغاني قد أمكنها من امتلاك مساحة تُقدّم فيها ما يتنوع من التفسير السلفي المتطرف للدين و يُطلق يدها في الأنتهاكات دون رادع و يتجاوزه حثيثاً لقونتها وهي تتستر خلف أجتهاداتٍ متشددة للشريعة ..زد على ذلك أن هذه الحركة قامت بإحتضان الإرهاب مُمثلاً بالقاعدة في السابق.و الآن هناك في كابول العديد من أعضائها من كان معتقلاً في غوانتانامو و قد أُفرِجَ عنه منذ مدة ليست بالبعيدة . و من يقرأ تفاصيل حكمها في أفغانستان سابقاً سيجد استهدافاً مباشراً للمجتمع المدني برمته، و قيوداً اجتماعية قاسية فُرِضتْ على النساء حصراً حيث كن لا مرئيات. كان اضطهاد المرأة يُمارس فيها دون خجل. ابتدأت بفرض زواج النساء من مقاتليها، و من ارتداء البرقع الإلزامي ، تالياً مُنِعتْ النساء من الاستفادة من قطاعي الصحة و التعليم الحيويين والأساسيين ، فمُنِعت المرأة الأفغانية من الحصول على الرعاية الصحية ، كما مُنِعتْ الفتيات من متابعة الدراسة متى بلغن التاسعة من العمر، و بهذا فقدت فرصة التحصيل العلمي و الأكاديمي. عوضاً عن هذا تم الدفع باتجاه زواج الصغيرات الذي كان ظاهرة طبيعية و سائدة لا خجل منها ولا مواربة، الاتجار بالأشخاص ، و الأشدُّ وقعاً و أذى كان بحجب الوظائف وأنها ليست من نصيب النساء، ليس للمرأة الحق كي تنتج وتساهم في بناء مجتمعها جنباً إلى جانب الرجل ، منُعَتْ من اتخاذ الطب او المحاماة او التعليم او الوظائف العامة مهنة لها. اختفت مشاركة المرأة السياسية و القانونية و تواجدها في الإدارات العليا و المجالس النيابية و التشريعية. إلا إذا كان الأمر يتعلق بالأفيون و الخشخاش الذي اعتمدت عليه وعلى زراعته حركة طالبان و إلى حدٍ كبير حينها يُسمح للمرأة للعمل في هذا الحقل تحديدًا .و بنتيجته فقد حُكِمَ و كأمرٍ واقع على النساء اللواتي لا مُعيل لهن وأطفالهن بالفقر المُدقع. زد على ذلك ولأن المرأة عورة في عرفهم فقد تم منع النساء من التواجد في الأماكن العامة و يُستثنى الأمر إن كانت برفقة مُحرمٍ.
بات الحديث عن المؤسسات نوعاً من السذاجة السياسية و التي بطبيعة الحال باتت أثراً بعد عين بعد عقودٍ من العنف والحرب.. وحلّ في شوارعها الإعدامات على الملأ بصورةٍ تجافي المدنية وأدنى القواعد الأخلاقية. بات التلفاز و الموسيقى من المحظورات.
هذه باختصار ممارسات طالبان فيما مضى عندما كانت هي السلطة السياسية في أفغانستان.
اليوم يُعيد التاريخ نفسه ، و سيبقى محفوراً في الذاكرة القصيرة و البعيدة أنه في ٢٤ من شهر اب/ أغسطس العام ٢٠٢١ اختفت النساء من شوارع كابول ، كان أمراً طالبانياً أولياً بعدمً تواجد النساء في الأماكن العامة ، وبموجاتٍ ماراثونية متسارعة تمّ إغلاق الحسابات النسوية على صفحات السوشيال ميديا و المنظمات و أينما وُجد في العالم الافتراضي وذلك لحمايتهم بالدرجة الأولى ، الصحفيات أُمِرنْ بعدم إرسال أية تقارير ، و في ليلة و ضحاها نساء أفغانستان اختفين دون أثر. وليبقى أيضاً محفوراً في الذاكرة أن الطالبان قاموا بقتل ٩ مدنيين في طريقهم الى كابول . و حين وصولهم بدأوا البحث من بابٍ الى باب لمن يخالفهم الرأي او الحكم ، منعوا خدمات الاتصال و التصوير ، فبات الهروب الكبير هو الحل لنساءٍ و أطفال ورجال أيقنوا أنه لا مستقبل ولا أمن لهم مع حركة هم أدرى من الجميع بطبيعتها و ما تقف له، ربما أخر الضحايا كان ما يقارب العشرين شخصاً بمن فيهم وفاة طفلة عمرها سنتين في الفوضى الدا ئرة في محيط مطار كابول.
أن نقف ضد العنف و الحرب و الاضطهاد هو واجب أخلاقي و قانوني و انساني. أن نُصغي لصراخ النساء و طلبهن الوقوف الى جانبهن من حركةٍ راديكالية و نُعلن التضامن و الدعم فهو أضعف الإيمان. من سيخرج من المدنيين الأفغان فقد نجا من مأساةٍ إنسانية قد بدأت فصولها بالموت على جدران مطار كابول ، و من لم يستطع فهو سيكون بشكلٍ ما وقوداً لهذه المأساة. لا يمكن لحركة طالبان أن تخرج عن جلدها ، هي راديكاليًا هناك، تُرسل إعلامياً ما يفيد بأن هناك تغيير في سلوكها، ربما هو تقديراً من باب التطمينات السياسية ليس إلا ، و إلا فبماذا يُفسّر الطلب من النساء عدم الخروج الى الأماكن العامة؟ و بماذا يُفسّر العودة للعنف والقتل ؟ هكذا أعلنت طالبان عن وصولها للهرم السياسي بعد عقدين من الزمن بالدماء. اسمعوا جيداً لأصوات نساء أفغانستان. امنحوهن السماء الآمنة . كندا أعلنت عن استقبال ٢٠ ألف لاجئ أفغاني . ولعلنا نحن النساء من عايشن ظروف الحرب و الحرب الأهلية و ما أفرزته من ويلاتٍ ودمار و عنف و تطرف و تمزق طائفي و سياسي و صعود الحركات و المنظمات الراديكالية المتطرفة ، نحن النساء من حلُمنَ بالديمقراطية ، لعلنا نحن من يجب أن نصغي جيداً لأصواتهن و نعلنه تضامناً لا مشروط بالإضافة الى المناشدة بإطلاق برامج لجوءٍ خاصة للعاملين في المجتمع المدني و حقوق الإنسان. و لا حرج أدبي أو مهني إن أُعيد القول مراراً و تكراراً بأن معايير مدنية المجتمعات تُقاس بمقدار احترام حقوق المرأة و تطورها . سيبقى النداء عالياً والنقاش القانوني السياسي الثقافي الإنساني الاقتصادي الاجتماعي حياً لا ينتهي ما دامت المعايير الدولية لاحترام هذه الحقوق غير مُعترفٍ بها. ما دامت هناك إمرأةً مضطهدة ، ما دام هناك مجموعاتٍ راديكالية أباحت لنفسها و بالقوة و العنف المُفرطين أن تأخذ بيد مجتمعاتٍ بأكملها لا سيما نسائها نحو كهوف الشرق. لكم كل التضامن والدعم نساء أفغانستان . و رغماً عن كل هذه القتامة ، أسبوع سعيد لكم جميعاً.