بقلم: ابراهيم كحيل
مدير مكتب الرسالة في سوريا
هل الميدان هو من يرسم الخارطة السياسية كلام كثير وخيارات كثيرة مطروحة في هذه المرحلة وتتصل بمستقبل الحرب السورية، في ضوء ما يُحكى عن معركة حسم ستشهدها حلب في الأيام والأسابيع القادمة فهل هذه المعركة ستحصل فعلاً؟
هناك تبايناً في الأجندات بين الدولة السورية وحلفائها الإقليميين وبين القيادة الروسية، البعض يعتبر هذا التباين من وسائل المناورة تحضيراً للمعركة المقبلة، والبعض الآخر يؤكد وجوده فعلياً ويقول إن لدى الروس حسابات لأجندات تتصل بعلاقتهم مع الأفرقاء الآخرين من إقليميين ودوليين، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية، بحيث أن موسكو لا تحبّذ الحسم الكامل في حلب لأنها تريد أ، تريح إدارة الرئيس بارك أوباما التي كانت صادقة معها وكرّست تعاوناً بين الجانبين وخرقت عقدة ما بعد أوكرانيا، وهي تبدو حريصة على الاستمرار في سياسة اليد الممدودة في حال فوز رئيس ديمقراطي آخر خلفاً لأوباما.
إن معركة حلب الموعودة كانت وما زالت أم المعارك التي تحسم المواجهة الحقيقية التي تسير الحرب السورية على هديها، وإنّ أهميتها تكمن في ما هو متداخل فيها من عناوين إقليمية ودولية، وليس العناوين السورية فقط.
فالعامل التركي موجود فيها، وكذلك بالنسبة إلى العاملين الأميركي والسعودي، فضلاً عن العوامل الروسية والسورية والإيرانية. لكنّ أهمية حلب هي أن الحلفاء الإيرانيين يشكّلون العنصر المؤثر جداً فيها، ليس الآن فقط وإنما منذ أن طرحت حلب عنواناً استراتيجياً في الحرب السورية، فمنذ ذلك الوقت بَدا الحضور الإيراني فيها حضوراً مؤثراً، وذلك لأنها تحظى باهتمام خاص وبعناية كبيرة لدى القيادة الإيرانية ممثلة بالمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية السيّد علي خامينئي.
ولذا، فإنّ هذه المدينة بجبهاتها المختلفة، ستبقى في الأيام و الأسابيع القادمة وعلى ضوء مؤتمر جنيف ـ 3 والقرار بوقف الأعمال القتالية، هي العنوان المحك لكل مآلات المرحلة المقبلة وموازين القوى التي تتحكم بها.
وعلى هذا الأساس ستبقى الأنظار شاخصة إلى حلب لأنها هي التي تحدد حجم قدرة تأثير تركيا في الملف السوري، وتكشف حقيقة النوايا الأميركية في التعاطي مع الجانب الروسي، وهل أن الأميركيين يخدعون الروس أم أنهم سائرون معهم حتى النهاية في الحل والقواعد المطروحة لهذا الحل.
وفي ضوء ذلك فإنّ مصير الإرهابي «ابو محمد» الجولاني وإمارة تنظيم «القاعدة» الإرهابية في سوريا ستحدده أيضا معركة حلب، لأنّ «جبهة النصرة» المنبثقة من «القاعدة» أصلاً، هي التنظيم الأساسي الموجود على جبهات حلب الغربية والجنوبية وفي داخل المدينة نفسها.
إن رؤية الرئيس بشار الأسد لوحدة التراب السوري تحددها معركة حلب أيضا، وعلى هذا الأساس ستكون حلب هي المعيار والمحك في الأسابيع المقبلة التي ستشخص إليها الأنظار لأنها هي الامتحان لطريقة تَموضع جميع القوى.
وعلى هذا فالجيش السوري وحلفاؤه من القوات الايرانية والمتمثلة ب (اللواء 65)، والتي بادرت ايران الى الاعلان رسمياً عن إرسال هذه القوات في إشارة علنية الى انّ انخراطها في الحرب السورية يُعلن عنه للمرة الاولى رسمياً وعبر قوات نظامية ايرانية تتبع
للجيش، وفي هذا دليل على انّ الشراكة الايرانية علنية في هذا العنوان.
وّ الطرف الآخر الذي يسمى معارضة وماخلفها من قوى عربية واقليمية ودولية لا تسلّم أوراقها بسهولة. ويؤكد انّ التصعيد الذي لجأ اليه هذا الطرف تزامَنا مع معلومات تحدثت عن الاميركيين الذين سَهّلوا نقل آلاف من أطنان السلاح الى سوريا بعد الاعلان عن وقف الاعمال القتالية، وهذا أمر يرى فيه الروس والدولة السورية وحلفاؤها ما يشير الى نيّات الجانب الاميركي في المرحلة المقبلة لجهة التسليم بمسار الحل السياسي للحرب السورية على أساس مؤتمر جنيف، او الاستمرار في الرهان على التنظيمات المتطرفة كعنصر أساسي في رسم سياساتهم المستقبلية إزاء الدولة في سوريا وفي المنطقة عموماً.