بقلم: أ.د. ناهدة العاصي
لقد تطرّفت سابقاً للحديث عن المشاكل التي يواجهها قطاع الصحّة في كيبيك حيث تغيب إستراتيجية التطوير والإصلاح المطلوبين. كما تطرّقت لقطاع التربية وكيفيّة التعاطي مع المواضيع الحساسة كالتربية الجنسيّة المبكّرة. وها أنا أعود ثانيةً لأؤكد على ضرورة الإلتفات إلى هذه الملفّات بجدّيةٍ أكبر، ذلك أنّ خوف الناس من تبِعات ما يختبرونه في هذين القطاعين يدقّ ناقوس الخطر.
ما يحصل في قطاع الصحة لا ينذر بالخير إطلاقاً. إحدى السيّدات ذهبت مؤخّراً إلى الطبيب بسبب طنين في أذنيها. بعد الفحص، أعطاها ورقة تحويل وختمها باسم الطبيب الإختصاصيّ الذي تمّ تحويلها إليه، وأخبرها أن عليها أن تدفع ٣٠٠ دولار للطبيب ليقوم بعمله معلّلاً ذلك بأنّها إن لم تدفع المبلغ ستضطرّ للإنتظار مدّة سنة لتحصل على موعدٍ للمعاينة المجانيّة. وفي موقفٍ شبيه، طُلبَ من سيدة بحاجة إلى صورة صوتيّة أن تدفع ٢٠٠ دولار للحصول على موعد فوري. والغريب في الأمر هو أن الطبيب الذي تمّ تحويلها إليه اتصل بها مطالِباً إياها عن سبب عدم تأكيد الموعد.
خوف هؤلاء المرضى وسؤالهم هو، ماذا إن قرروا إنتظار الموعد المتأخر لأسبابٍ متعلّقة بوضعهم الماديّ؟ هل سيتمّ تحويلهم لنفس الطبيب المتصِل لاحقاً؟ وماذا سيكون ردّ فعله؟ هل من مبرّر لسلوك الأطبّاء؟ هل هذا اعتراف ضمني أن حالة المريض لا تحتمل التأجيل؟ أم أن هناك مافيا تتحرّك وفقاً للمعطيات المتعلّقة بالخلل القائم لتحقق أكبر استفادة مادية بعيداً عن إهتمام الدّولة أو أجهزتها الرقابيّة؟
أمّا في موضوع التربية، فقد تبيّن أن الأساتذة ما زالوا غير مرتاحين للقيام بتدريس برنامج الجنس. فالمناهج بالنسبة لهم كانت مُرتجلة ولم يتمّ التحضير لها كفاية قبل أن تُفرضَ عليهم. بالإضافة إلى ذلك، هم لم ينالوا القسط الكافي من التدريب، وبالتالي واجهوا وسيواجهون مصاعب كثيرة في الردّ على أسئلة التلامذة الصعبة.
بالنسبة للأهل، فهم يستغربون أمرين: أولاً، بدلاً من أن تقوم المدرسة بتقييم تلك المناهح وتعديلها، هي تستمرّ وتسترسلُ بطرح موضوع تحديد الجنس وفي وقتٍ مبكّرٍ جدّا. الأساتذة يخبرون الطفل أنّه في سنّه المبكّرة ليس ذكراً ولا أنثى. هو ليس أيٍّ منها إلى أن يقرر هو بنفسه ما سيكون، ذكراً أو أنثى، مثليّاً أو غير مثليّ. ثانياً، الأهل يشتكون من إصرار المدرسة على التواصل معهم باللغة الفرنسيّة حتى وإن كانوا يجهلونها، الأمر الذي يشكّل حجر عثرة أمامهم في التعبير عن آرائهم أو تقديم اقتراحاتهم أو طرح أسئلتهم، والذي يجعلهم يتردّدون ألف مرّة قبل إقرار استمرار التواصل مع المدرسة. والأغرب من كلّ ذلك هو أنه بالرغم من كلّ هذه التحفّظات من قِبل الأهل والأساتذة، هذا الملفّ لم يلقَ آذاناً صاغية حتّى السّاعة.
أخيراً، لا يسعنا إلا رفع بعض الأسئلة ووضعها برسم الإجابة من للمسؤولين:
ـ هل هكذا يتم التعاطي مع المهاجرين الذين تركوا أوطانهم سعيا وراء الأمن الإجتماعي؟
ـ هل هكذا تسهل عملية دمج الجاليات المهاجرة في ثقافة البلد الواحد الموحّد؟ أم تشتيتها لتعيش كل واحدة منها مأساة جديدة أكبر من التي هربت منها؟
والسؤال الأهم الذي يطرح نفسه هو كيف يصبح مقبولا أن تكون سلطة كيبيك أقوى من السلطة الفدراليّة على مستوى القوانين الإجرائية وتطبيقها؟ أم أن هذه خطوة لإرجاء فكرة الإنفصال؟
أيّ دولةٍ تريد أخي المواطن؟ لا تدع الفرصة تفوتك دون القيام بدورك في الأنتخابات المقبلة!