بقلم: سناء سراج
اقتربت الساعة من الواحدة بعد منتصف ليل الخميس صبيحة يوم الجمعة، وبعد أن قضت العائلة ليلة جميلة تناولوا عشاءاً فاخراً ومذاق رائع من يد الأم وتبادلوا الحوارات في موضوعات متعددة وجلسوا أمام التلفاز يشاهدون أحد الأفلام ويتناولون المشروبات والفواكة و قزقزة أنواع اللب المتنوعة والشاي والنسكافيه وغيره، وذهب كل منهم إلى سريرة ليخلد إلى نوم عميق بعد يوم مرهق في العمل أو الدراسة بخلاف ساعات السهر والسمر، وفوجئت الزوجة بصوت زوجها يناديها ويخبرها أن ألم ما يشعر به في صدره ناحية القلب وأنه لا يستطيع اخذ انفاسه وبدأ الخوف والقلق يكسو ملامحه فنادت الزوجة على الابن الأكبر وأخبرته بالأمر وارتدي ملابسه مسرعا وسبق كي يحضر السيارة من الجراج وارتدت الزوجة ملابسها وساعدت زوجها في استبدال ملابسة وتهيأ للنزول وقال الزوج اذهبوا بي إلى مستشفى الهرم ((مستشفى خاص)) وهنا قُبضت الزوجة وأمسكت بصدرها وقالت لا لن نذهب إلى هذه المستشفى النحس ، كفا ما حدث لنا فيها قبل ذلك (( مات أبنها الصغير في هذه المستشفى وأيضآ صديق أبنها وجارهم الشاب بعد حادثة سقوطه في منور العمارة المجاورة بعد صلاة الفجر وانتظاره هو وابنها فوق سطوح عمارتهم لصلاة العيد وذهبوا به إلى مستشفى الهرم ولفظ انفاسة الأخيرة وكانت حادثة تدمي القلوب )) فكادت الزوجه أن تصاب بعقدة من هذه المستشفى.
واقترحت ( الزوجة) أنسب مكان القصر العيني قلعة الطب وملجأ القاصي والداني وعندما اختارت القصر العيني ليس لأنه مجاني فالحمد لله الحال ميسور ونعم ربنا كثيرة، ولكن لوجود اساتذة عِظَام متخصصين، وتوجهوا بالسيارة في طريقهم إلى القصر وأصبحت الساعة الثانية بعد منتصف الليل وعدت بدقائق قليلة دخل الزوج القصر العيني قسم الطوارئ متكأً على ذراع زوجته وابنه وسجل بياناته ودخل للكشف ورزقه الله بطبية شابة لم تتجاوز العقد الثالث من عمرها ويبدو عليها التعب والإرهاق وقله النوم وكأنها من يحتاج لطبيب، وكانت الغرفة كبيرة وبها اثنين من الأسرة التي تشبه الشازلونج مغطاه بجلد اسود وعليها مفرش ابيض وحاجز حول السرير لخصوصية المريض، ومكتب أو اثنين وعدد من المقاعد العادية جدا وبصمات الزمن تكسو الحوائط وتشكو تراكم الاتربه وعثرات السنين وعدد من الأطباء في مقتبل العمر ولكني فؤجئت بمهارة غير عادية تمتلكها تلك الطبيبة التي شدني الفضول أن أعرف اسمها (( ماريان )) ووقعت الكشف على زوجي في أغلب أنحاء جسده وكتبت له تقريبا كل أنواع التحاليل والإشاعات، من قياس الضغط والسكر ورسم القلب وإشاعة على الصدر وإشاعة على البطن وموجات صوتيه على القلب {{ الإيكو}} عندما رسم القلب لم يُظهر شئ وتحليل دم شامل وأشياء كثيرة لا تسعفني الذاكرة، الحقيقة بقدر ما لقينا اهتمام ورعاية من الأطباء وكل القائمين حيث مررنا بعدة تخصصات للأطباء وعدة أقسام متنوعة وكل هذا مجانا ولم ندفع غير الإكراميات.
وجلسنا ننتظر بعض نتائج التحاليل حيث تستغرق ثلاث ساعات حتى تظهر النتيجة ورغم كل الإيجابيات التي وجدناها والعناية والضمير الحي للأطباء كان هناك ما يشبه المأساة من الإهمال في نظافة المكان والروائح الكريهة التي لا تطاق والطبيب الشاب الجالس على مكتب متهالك بحجرة ضيقة وكراسي غير لائقة والقمامة ملقاة بجواره على الأرض وخارج السلة الصغيرة المفتوحة الفوهة و بقايا الدماء والقطن الملوث والحقن حقآ مأساة.
وتخيلت لو كان هذا الطبيب الذي قضى تقريبا عمره كله في التعليم والإجتهاد وسهر الليالي حتى يصبح متفوق ويدرس الطب وشقاء عائلته بالكامل سنوات من أجل أن يرونه طبيبا ناجحا يرتدي البالطو الأبيض كيف يكون هذا مكان عمله ومكافأته على ما يقدمه من خدمات و إهتمام ويكون سبب في شفاء مريض أو تخفيف ألم عن إنسان،، استوقفتني هذه الصور السلبية كثيرآ..
ايضا كيف يُترك العمال بدون رقابة ومتابعة من المسئولين ومحاسبتهم لإهمالهم الجسيم في مكان عملهم وترك القمامة وروائح الحمامات الكريهة التي تسد الأُنوف وتغيبهم وتزويغهم.
حقآ هذه الليلة التي قضيتها في القصر حتى بزوغ الفجر وأتى علينا الشروق وأمامنا مياه النيل التي اضاءتها أشعة الشمس المتسللة من السماء لتنتشر تدريجيا في ربوع الأرض ثم أتى الصباح الباكر ونحن ننتظر في السيارة لنعرف النتيجة، ورغم مرور أكثر من سبع سنوات على هذه الليلة وشهادة حق اختلف الوضع الآن تماما فقسم الطوارئ تحول إلى مستشفى الطوارئ حُدث وتطور بشكل راقي وممتاز يليق بصحة الإنسان ويليق بمكان عمل الطبيب.
وفي الآونة الأخيرة شهد القصر العيني طفرة من إستحداث في البنية التحتية والمباني والأجهزة والمعدات وأصبح صرح يضاهي المستشفيات الخاصة والراقية المتطورة، ولكن مازال يحتاج إلى الكثير من الأجهزة والمعدات والمباني ليكتمل، فليشمر كل منا عن ساعديه ويتخيل لا قدر الله إذا إصابة مكروه أو أحد أفراد عائلته لن يجد غير القصر العيني قلعة الطب فى مصر تحتويه وتنقذه وتخفف عنه الألم والمعاناة في ظل الأسعار الفلكية للمستشفيات الخاصة والتي لا يستطيع أغلبنا الذهاب إليها في وقتنا الحاضر نظرا للارتفاع المتتالي لأغلب احتياجات الحياة..
من خلال هذه السطور أناشد كل إنسان أن يساهم ولو بجزء ضئيل لاستكمال هذا الصرح العظيم ويظل صدقة جارية له أو لمن يهب له المساهمة وأناشد المجتمع المدني من مشاهير ورجال الأعمال والفنانين ولاعبي الكرة والرياضات المختلفة والمواطن المصري الأصيل ابن البلد في دعم بلده ومنشآتها ومنها القصر العيني ملجأ وملاذ اغلب الشعب ..
وكانت هذه حكاية ليلة قضيتها في القصر..