بقلم: د. خالد التوزاني
حاضرة مراكش.. الشاعرة، بهذه العبارة الأنيقة عنون فارس الأدبية المغربية الدكتور عبد الله بنصر العلوي مقاله في هيسبرس، المنبر الأكثر قراءة في المغرب، ونشره في أواخر ماي 2021، للحديث عن كتابه الجديد: من شعراء حاضرة مراكش، الكتاب الذي يأتي ضمن موسوعة ألّفها الدكتور عبد الله بنصر في ترجمة وتوثيق شعراء المملكة المغربية، وقد حملت عنوان: المنتقى المعين من شعراء المغرب في القرنين التاسع عشر والعشرين.
إنها موسوعة رائدة، بالنظر إلى حجم الجهد المبذول فيها، وشموليتها؛ بحيث اهتمت بمعظم جهات المغرب، فقد جاءت موزعةً على الحواضر الآتية: حواضر الصحراء المغربية واحد وخمسون (51) شاعرا، و سوس: أربعون (40) شاعرا، و فاس: ثلاثة وثلاثون (33) شاعرا، والرباط: تسعة (9) شعرا، وسلا : إثنا عشر (12) شاعرا ، ومراكش: ثمانية (8)شعراء، وتطوان: وما إليها أحد عشر(11) شاعر، ومكناس: ستة (6) شعراء، وتافيلالت: عشرة (10) شعراء، وآسفي: (2)..
أما الأسباب التي دفعت الدكتور عبد الله بنصر العلوي لتأليف موسوعة: المنتقى المعين من شعراء المغرب في القرنين التاسع عشر والعشرين ، فنستحضر منها الآتي:
أ- أن جل شعراء هذه الفترة لم تستوعبهم الدراسات في الشعر المغربي.
ب- أن ضياع بعض أشعارها يعدّ ظاهرة عامة جدّ الباحثون في التنقيب عنها.
ج- أن جمع هذه الأشعار المتفرقة في مصنفات المعرفة أصبح ضرورة في البحث لصون الشعر المغربي .
د- أن جمع جملة من شعراء هذه الفترة وأشعارهم يسهم في الكشف عن الدفين في تاريخ الشعر المغربي .
هـ- أن حضور هؤلاء الشعراء المغاربة ونماذج من أشعارهم يعدّ عملا من شأنه الاطلاع على الشعر المغربي وفق تمثلاته وتوجهاته بلاغة وفكرة وأسلوبا.
وقد نهج الدكتور عبد الله بنصر العلوي في إعداده لهذه الموسوعة في تراجم الشعراء المغاربة، منهجية دقيقة، تتمثل في الآتي:
أ- وضع تقديم عام يعرّف بدواعي النشر.
ب – تمهيد عن الحاضرة الشاعرة.
ج – تصدير بمثابة مدخل إلى الحركة الشعرية بالحاضرة كتبه أحد الباحثين.
قسم الشعراء، وتضمن :
- عرض سيرة مختصرة للشاعر و منشور شعره
- توصيف شعره ، وتقريظه مع ذكر بعض مصادره ومراجعه.
- انتقاء أشعاره أو ما توفر منها في مصادرها ببعض شروحها اللغوية والتاريخية، مع وضع عنوان لها وتحديد وزنها.
د- وضع ملحقين: أولهما لأعلام الشعر المغربي التي انفردتُ بإعدادها، والتي وردت في المعجم، والتي لم تذكر في كليهما، و الملحق الثاني لبعض المصادر والمراجع التي تسهم في تطور البحث العلمي في الشعر المغربي.
وقد صدر من هذه الموسوعة، إلى حدود اليوم، ثلاثة أجزاء، آخرها: من شعراء حاضرة مراكش، حيث كتب الدكتور السعيد بنفرحي، تصديراً لهذا الجزء من الموسوعة الشعرية، استحضر فيه ما يطبع حاضرة مراكش الشاعرة من خصوصيات في الساحة الأدبية المغربية والعربية، وتأثيرها على جملة من المضامين والأشكال الشعرية الأصيلة والمحدثة، فمراكش الآن مدينة عالمية، وتجمع التراث والحداثة.
يقول الدكتور عبد الله بنصر العلوي: “هذا سِفرٌ آخر يتضمن بعض شعراء حاضرة مراكش، وهي العالمة الشاعرة المتميزة بنشاطها المتمثل في دور جامعة ابن يوسف في شيوع التعليم والتطلع إلى الانفتاح والإصلاح مثلما حدث بجامعة القرويين بحاضرة فاس العالمة. كما كانت حاضرة مراكش شاعرة – بما سادها من روح وطنية ومن مرح وانشراح في مجالس النزه – بقريحة شعرائها الوقادة في الفصيح والملحون .
ومن ثم كان العلم والشعر مجال اهتمامات المراكشيين تأليفا وتصنيفا وإبداعا ونظما، وقد تفاعلوا مع ذواتهم في واقعها العلمي والوجداني والاجتماعي.. أملا في روح التنوير ونهضة العلوم .. والتعلق بالوحدة الوطنية والتحرر من موبقات التخلف وأدران الاستعمار، مما تضمنته قصائد العرشيات والسلطانيات.”
ويبدو واضحاً من خلال الشعراء الذين أرّخ لهم الدكتور عبد الله بنصر العلوي في هذا الكتاب، وعرض نماذج من شعرهم، وخصوصيات الشعر في مدينة مراكش، بحكم موقعها الجغرافي وطبيعة ثقافتها وعلاقاتها مع الجهات المغربية الأخرى، يبدو واضحاً قدرة هذه المدينة على إبداع شعر أصيل يحمل أبعاداً وطنية تحمل الكثير من معاني الوفاء والدفاع عن قضايا المغرب وحماية هويته.، ولذلك كانت الأشعار المراكشية سجلا حافلا لمدينة لها حضورها في الواقع والذاكرة، وبينهما تفاعل بإضاءات الواقع وتنوير الفكر وتجليات التواصل.
إن في حاضرة مراكش حضورا شعريا وازنا ، ولعلها من أكثر الحواضر المغربية تجمعا للشعراء الذين تآلفت أحاسيسهم، فهناك من ولد فيها أو اختار الإقامة فيها، فاحتضنتهم بسعة رحب ومنحتهم قدرة شعرية بما فيها من مؤهلات طبيعية ومناخية تجعل منها مدينة عالمية، وهذا ما يجعلنا ندرك حضور مراكش لدى زوارها المغاربة والمشارقة وهم يفتنون بسحرها وجمالياتها..
وبصدور كتاب: من شعراء حاضرة مراكش، تكون الموسوعة الشعرية: “المنتقى المعين من شعراء المغرب في القرنين التاسع عشر والعشرين”، قد اقتحمت مجالا شعرياً خصباً وثرياً، وعلى الرغم من عدد الشعراء في هذا الجزء من الموسوعة لم يكن عدداً كبيراً، فذلك بسبب وجود هؤلاء الشعراء، وهم كثر في عمل آخر جماعي كان قد أسهم في تأليفه الدكتور عبد الله بنصر العلوي إلى جانب نخبة من الباحثين المغاربة، ويتعلق الأمر بالعمل الموسوم بــ “معجم البابطين لشعراء العربية في القرنين التاسع عشر والعشرين”، والذي رصد سير شعراء مراكش، وتحديداً خمسة وعشرين (25) شاعرا وعدة نماذج شعرية.
وبخصوص منهجية تأليف هذه الموسوعة، فيقول الدكتور عبد الله بنصر العلوي: وقد صنّفت هؤلاء الشعراء حسب مكان ميلادهم وفق المنهج الإقليمي الذي لا يعارض الرؤية الوطنية والإنسانية. فقد دأبت الدراسات المغربية على لمّ شتات كثير من أخبار المدن التي حظيت بكتابات عن تاريخها وأعلامها ممن وُلد بها أو حلّ فيها أو توفي بها ،مما يسهم في تكامل الرؤية الثقافية الوطنية. كما قال عميد الأدب المغربي الدكتور عباس الجراري “مهما بدا لنا هذا التأليف مغرقا في الإقليمية فإنه في نظرنا يعتبر أصلح منهاج لتناول التاريخ المغربي وتاريخ الفكر المغربي”.
أخيراً، يأمل الدكتور عبد الله بنصر العلوي بتقديم موسوعة (المنتقى المعين) تقريب الباحثين في الشعر المغربي إلى نصوص معلومة أو مخطوطة أو غميسة، جديرة بالقراءة، وتضيء جوانب من العبقرية المغربية.
ومن باب الوفاء والاعتراف بالفضل لأهله الأصفياء، تجدر الإشارة إلى أن هذه الموسوعة العلمية قد صدرت بمساهمة كريمة من معالي الدكتور مانع سعيد العتيبة المستشار الخاص لصاحب السمو رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، وذلك في سياق تعزيز العلاقات الدبلوماسية الثقافية بين المغرب والإمارات العربية المتحدة بصيغة أهلية، تؤكد عمق الروابط الأخوية التي تجمع البلدين ملكاً وشعباً.