بقلم: بشــير القــزّي
منذ صغرنا، نشأنا على ان نضع على كرسي عاجيّ كلّ ما يصلنا من بلاد الغرب، أكان يتعلّق بالتكنولوجيا أم الطب أم الحقوق أم الفلسفة أم العلوم أم حتى المأكل، فبتنا نشعر وكأننا شعب ناقص لا يرقى الى مستوى تلك الشعوب التي سبقتنا في الكثير من المجالات! فهل نبصم بشكل أعمى على كل ما يردنا من تلك البلاد ؟
كان كلّ تقدم تكنولوجي ننعم به في أيامنا هذه مردّه الى الغرب كالكهرباء وجرّ المياه والمنازل الحديثة والطرقات والجسور المعبّدة ووسائل النقل كالسيارات والطائرات والقطارات والبواخر والهواتف الذكيّة وأجهزة التلفزة والكمبيوتر وإلى ما هنالك من اختراعات وقوانين وأنظمة، لم يكن لنا دورٌ في ابتكاره إلّا أقل من القليل! إلّا أنه يجب ألّا ننسى أن الغرب أيضاً كان وراء كل الابتكارات المدمّرة كأسلحة فتّاكة وقاتلة وقنابل ومواد متفجّرة، وما جائزة “نوبل” للسلام إلّا لتخفي أن الذي سُمّيت باسمه تلك الجائزة “ألفرد نوبل” ما هو إلّا من ابتكر الديناميت الذي تسبب بزهق أرواح الملايين من الناس الأبرياء!
معشرنا، نحن العرب، لم يخترع شيئاً! جلّ ما فعلناه أننا استفدنا من ابتكارات غيرنا وأغدقنا ثرواتنا على شراء الأسلحة لنتقاتل ونشرّد أطفالنا ونقضي على خيرة شبابنا، ونشوّه الكثيرين من مواطنينا ونرمّل العديد من نسائنا، ونُيتّم أبناءنا ونقضي على أملٍ في مستقبلٍ زاخر!
أضيف الى ذلك أننا أصبحنا نقلّد أهل الغرب في ملبسهم ونفضّل ما يأكلون ويشربون حسب القول العاميّ: “كل شي فرنجي، برنجي”.
- تركنا الشروال وارتدينا السروال الضيّق لنكتشف بعد عقود أن السروال يؤثّر سلباً على الحيوانات المنويّة.
- احتذت معظم النساء الأحذية النسائية ذوات الكعوب العالية ممّا أضرّ بأرجلهنّ وسيقانهن وظهورهنّ، وكثيرات اضطررن الى إجراء عمليات جراحية! ناهيك عن صعوبة وخطورة التنقل او الجري بهكذا أحذية!
- اعتمدنا في الماضي شرب المشروبات الغازية من ابتكار الغرب وفضّلناها على شرابات التوت والجلّاب وغيرها وأصبحنا نواظب على استهلاكها مع الطعام لنكتشف بعد ذلك أنها مضرّة لصحّة الإمعاء عند الإكثار منها!
- وصلتنا السجائر المصنوعة في الغرب والمعلّبة بأشكال أنيقة وجذابة ومزيّنة بالأحمر والأبيض وغير ذلك من ألوان، إلى جانب فيديوهات الإعلانات الملونة والتي تُظهر راعي البقر وهو يعتلي حصاناً جميلاً يمتطيه وسط الغابات الخضراء… استهلكنا تلك السجائر بكميات كبيرة قبل أن نكتشف أنها أضرّ ما يكون للصحة وقد جلبت أمراض السرطان للملايين ولم يتمّ الإقرار بمضارها إلّا منذ فترات وجيزة، وتبين أن محتوى تبغها يتضمّن العشرات من المواد المضافة التي نجد بينها ما يحفّز المستهلك على الإدمان!
- كان انطباعنا في الماضي ان الأميركيين لا يحسنون الطهي، وإذ بنا نتعلّق بسلاسل المطاعم التي افتتحوها في شتى أنحاء العالم والمشهورة “بالهامبرغر” المرفقة بشرائح البطاطس المقلية والكولا الغازيّة، ضمن ما يسمّى “بالتريّو” (أي ما يسمّى بالطلب المؤلّف من مجموعة من ثلاثة) وظننّا أن هذا هو الأكل الصحّي… لنفاجأ بعد سنين أنها أكلات غير صحيّة وقد يكون سندويش الشاورما أو الفلافل أفضل منها بكثير!
- هل نتكلم عن قطع الدجاج المقليّة والتي حملت اسم وصورة من ابتكرها وكأنه اكتشف البارود؟ أهذه القطع المشبعة بزيت القلي تستحق ان تعدّ من الوجبات الصحية؟
- أمّا عن تلك النقانق الطويلة والتي تسمّى “بالهوت دوغ” (لحم الكلاب الساخن) وهو برأيي أبشع اسم لوجبة نتناولها، كيف ظننا أنها أفضل من وجباتنا المحليّة؟
- عندما سافرت في بداية شبابي الى بلاد الاغتراب كنت على قناعة بأن هذه البلاد لا تحسن صنع القهوة لأن قهوتهم كانت أشبه بزوم الزيتون! كان عليّ أن أضيف إليها السكّر والحليب حتى أتمكّن من ابتلاعها، وانا الذي ربيت على رؤية المِحمص الذي تفوح منه رائحة البن عند تحميصه، وبعد ذلك يتم طحنه في تلك المطحنة اليدوية النحاسية الطويلة والنحيفة، ومن ثمّ يتم وضع البن في الركوة التي تحوي الماء المغليّ…وترتفع القشوة على الوجه الأعلى…
كيف أصبحنا في عالم يصطفّ فيه العشرات أمام أحد سلاسل محلات القهوة لشراء كوب قهوة يدفعون ثمنه غالياً ويحملونه وكأنّه كأسٌ مقدّس يسيرون وراءه وكأنهم يمارسون طقساً دينيّاً؟
عالمٌ غريب نعيش فيه، فقدنا فيه الكثير من حسنات ما تربينا عليه، لنتّبع ما ليس أفضل منه!
لن أضيف على ما ذكرت وسأترك للقرّاء إضافة ما يرتأونه في خانة التعليقات، وذلك لأني لم أذكر إلّا القليل من الكثير مما نتحسّر عليه!