الأديبة : إخلاص فرنسيس
هو وحيد هذا المساء، وهي وحيدة، هو يتناول طعامه بعيدًا عن كلّ شهية، وهي تتناول كأس الوتر، وتشرب نبيذ الكلمات. هو يرتدي سروالًا أسود، وهي ترتدي الأبيض. يحمل في يده هاتفًا، وهي في يدها سكين، في فمه ابتسامة وجع، وعلى شفتيها ألف سؤال حمض مع الوقت، شهية السلطة وطازج جرحها، مخبوزة روحها على حطب الانتظار، وشاشة هاتف ربما لن يرى النور يومها، هو يدخن سيجاره، وهي تتبخّر أحلامها تحت وطأة نار الأشواق. المقهى فارغ إلّا من صوت أمّ كلثوم. يغضب، تخرج كلمات تجرح سكون المساء، تنتفض، ترجو الليل أن يعود إلى الوراء، أطفأ سيجارته، وهي من يطفئ هذا الوجع في صدرها؟ يحوك ابتسامات وحكايات مع الطرف الصامت الآخر، تتدحرج دمعتها، عصير المانجو على وجنتيها، تعلو موسيقا التانغو من المقهى المجاور، تبتسم عاجزة عن المقاومة.
متى ينتهي هذا المسلسل من الكلام والأشواق والحنين ليدعوها إلى باحة الرقص من جديد، غرفة مرصعة جدرانها بالصور، تاريخ كما أيام الأقصر، ووجع ومركب من جمر، وسرير من رماد، سكون خلف الزجاج العاري، ترتجف كتفاها، تسدل شعرها، يختبئ مثل عصفور هارب من المطر.
أرخي جدائلك، ابسطي كفيك، ودعيني بهما أغرق. تتساقط أوراق تشرين على صدرها، من هنا مرّ الصيف ورائحة البحر وبخور الأرز تملأ انفاسه، يسقط من جدران المعبد عاشق أسمر، نقشته أنامل عاشقة استودعته بين يدي آلهة العشق، ألوان وخيوط وشفة كرزية، ينحني بوقار، يغادر أعمدة الكرنك، يمتطي سفن النيل إلى البحر الأبيض، يحمل في صدره حرفا وكلمة، يبحث عنها في الينابيع، تتدلّى النجوم، تلامس جبينه النديّ، ولأول مرة ترى دمع العين من الجبين ينهمر، تمسحها بشفتيها نشوى في دلال عاشقة، العيون حين تلتقي، وتختلط الأنفاس، تولد الأنثى من شفتيْ حبيبها.