دعا أحمد أبوالغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية إلى تعزيز مبدأ السيادة وعدم التدخل في الشئون الداخلية للدول في منطقة الشرق الأوسط.
وقال أبوالغيط – في ندوة عُقدت على هامش مؤتمر ميونخ للأمن 2017 بألمانيا تحت عنوان (هل يُمكن تطبيق معاهدة وستفاليا في الشرق الأوسط؟) – “إن لمعاهدة وستفاليا دلالات متعددة ويُمكن النظر إليها بوصفها ميلاد مفهوم سيادة الدولة والنظام الحديث للدول كما أن هذه الاتفاقية وضعت أيضا مبدأ التسامح الديني في العلاقات الدولية”، مضيفا “إن وستفاليا لها علاقة بالفكرة القائلة بأن في الإمكان صياغة نظام إقليمي جديد من خلال انخراط أطرافه في مفاوضات مطولة تُعالج المعضلات الأمنية وتُلبي تطلعاتهم القومية والدينية”.
وتابع “إن منطق وستفاليا يفترض أنه إذا ما تمت مناقشة كل هذه المخاوف ومشاعر انعدام الأمن على طاولة المفاوضات وبأسلوب مكشوف وشفاف وبالاستعانة بقدر من الدبلوماسية الحاذقة، فإن بالإمكان التوصل إلى حلول وسط ومن الممكن كذلك الوصول لصفقة كبرى شاملة وبحيث يتولد عن هذه العملية إقامة نظام جديد يتضمن مجموعة من المبادئ والقواعد الحاكمة التي يتوافق عليها الأطراف ذات الصلة”.
وتساءل هل مثل هذا المنطق قابل للتطبيق فيما يتعلق بالنزاعات الدائرة في الشرق الأوسط حاليا بعبارة أخرى: هل نحتاجُ حقاً إلى نظام جديد في الشرق الأوسط؟ هل نحن في حاجة إلى مجموعة جديدة من القيم والمبادئ التي تحكم العلاقات بين الدول وداخل الدول؟.
وقال “إنه برغم الإغراء الذي تنطوي عليه فكرة إقامة نظام إقليمي جديد في المنطقة فإنني أختلف مع هذا الطرح..إن ما نحتاجه اليوم ليس نظاما جديدا بشكلٍ كامل بل العودة إلى ذات المبادئ التي تأسس عليها نظام وستفاليا وهي الاعتراف المتبادل بالسيادة المتكافئة بين الدول وعدم التدخل في الشئون الداخلية والفصل بين الدولة والدين .. بعبارة أخرى فإننا لسنا في حاجة إلى عملية وستفالية وإنما نحتاج إلى إعادة ترسيخ مبادئ وستفاليا وفرض الإقرار بها”.
وأفاد بأنه تم صياغة النظام الإقليمي في الشرق الأوسط وفقا لمبادئ وستفاليا منذ أكثر من مائة عامٍ خلت، حيث جرى إنشاء دول وطنية ورسم حدود وظهرت إلى حيز الوجود كيانات سياسية معاصرة..قائلا “لقد فُرض هذا النظام على المنطقة بواسطة القوى الاستعمارية وهو لم يكن بأي حالٍ نظاماً مثالياً ولكن برغم كل ما اعتراه من عيوبٍ وثغرات فقد استمر لما يقرب من مائة عام حيث ترسخت هويات وطنية جديدة وتعزز وجودها بمرور الوقت”.
وتساءل “لماذا استمر النظام القائم في الشرق الأوسط طوال هذه الفترة؟ .. وأردف قائلا ” في ظني أن السر يكمن في الالتزام بمبادئ وستفاليا السحرية ألا وهي السيادة وعدم التدخل في الشئون الداخلية”، مضيفا “إننا عادة ما نعتبر هذه المبادئ أمراً مفروغاً منه ونتناسى مدى أهميتها لاستقرار النظم الإقليمية ولا نُقر بأهمية هذه المبادئ فقط في حالة خرقها!”.
وقال أبوالغيط “ليس معنى ما سبق أن هذا النظام الإقليمي لم يتعرض لتحديات ، فقد جرى توظيف القومية العربية من جانب بعض البلدان في عقودٍ سابقة من أجل تبرير مساعيها للسيطرة”.. مشيرا إلى أنً التحالف الدولي ضد صدام حسين في 1991 والذي ضم الدول العربية الرئيسية كان مثالاً كلاسيكياً لاستعادة النظام والدفاع عن مبدأ أساسي من مبادئ وستفاليا وهو السيادة المتكافئة حتى لأصغر الدول.
ولفت في الوقت ذاته إلى أن “النظام الوستفالي” في الشرق الأوسط لم يعمل بصورة مثالية بسبب استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والعربية..قائلا “لقد تمثلت إحدى نتائج وستفاليا في أوروبا في البزوغ التدريجي لمبدأ حق تقرير المصير كصيغة مقبولة لتأسيس الدول”.
وأشار إلى أنه وبالنظر للشرق الأوسط فإن معاناة الفلسطينيين والفشل في تلبية طموحاتهم المشروعة بإقامة دولة مستقلة لهم، ظلت لوقت طويل مصدرا للغضب والتوتر ليس فقط في فلسطين ولكن بطول العالم العربي كله..مشددا على أن القضية الفلسطينية تُمثل سبباً جذرياً في البلاء الذي تعرضت له المنطقة خلال الأعوام الستين المُنصرمة لأنها خلقت شعوراً نفسياً عميقاً بالظلم لدى العرب.
ونبه إلى أن هذه القضية ستظل مصدرا للمتاعب في المنطقة لسنواتٍ قادمة ما لم يتم معالجتها بصورة عادلة وشاملة ، قائلا “كلنا يعلم أن الطريق لتحقيق تلك الغاية هو إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية المُستقلة”.
وقال أبوالغيط إن الإسلام السياسي شكل تحديا آخر للنظام ، حيث إن الجماعات الإسلامية كان يحركها شعور عميق بالإذلال على أيدي الغرب خلال الحقبة الاستعمارية .. ووجد الإسلاميون تربة خصبة لتجنيد الشباب لأهدافهم المتطرفة وبهدف نشر أيديولوجيتهم الأصولية كما استغل الإسلاميون كذلك الشعور السائد بالظلم الذي أفرزته مأساة الفلسطينيين.
وأشار إلى أن المسائل العقدية والإيمانية لا تُمثِل بأي حالٍ جوهر الخلاف بل السياسة والسعي للنفوذ هما ما يُشكلان السياق الذي تتحول فيه مسائل العقيدة إلى قنابل موقوتة، قائلا “إن السياسات الإيرانية لم تخلق الفجوة بين السنة والشيعة، فالخلافات العقائدية طالما كانت قائمة داخل الدين الإسلامي غير أنها استغلت هذه الخلافات وفاقمتها بهدف الدفع بمصالحها الخاصة ومن أجل تعزيز طموحاتها في الهيمنة”.
وأضاف “إنه إذا كانت إيران تظن أنها ممثلة للشيعة في كل مكان ، فإن ذلك يعني أننا نعيش في عالم سابق على وستفاليا حيث تتشكل الولاءات وفقاً للانتماءات الطائفية والدينية، بدلاً من تلك الوطنية والعلمانية.
واختتم أبوالغيط حديثه قائلا “إن الحكم الرشيد يُشكِل الوصفة المناسبة للاستقرار كما أن الغاية المنشودة ينبغي أن تتمثل في تعزيز الدول الوطنية الحديثة التي تحترم حقوق الإنسان وحكم القانون”.