بقلم: كنده الجيوش
«الله يبارك لك» و «الله يعوض عليك» هما جملتان بين مجموعة كبيرة من الجمل المتداولة بين البائع والشاري في الأسواق القديمة والشعبية في بلداننا العربية.
وربما نسمعها ونتمنى أنها لا زالت تعيش في بلادنا وخاصة في هذه الأيام المباركة التي نقبل فيها على أعياد الفطر والفصح وذلك لكل من امن بالأديان السماوية سواء من المسلمين أو المسيحيين.
وهنا بهاتين الجملتين اخص بالذكر دمشق لأن هاتين الجملتين لازالت شائعتين جدا فيها وهي التي كانت عاصمة قوية للتجارة.. رغم أنها مثلها مثل قريناتها بالتجارة حلب وبيروت والقاهرة وبغداد ومكة ودبي والكويت و.. و.. و.. و..
هذه الجمل تعكس تاريخ وثقافة وسياسة سوق مهمة تطبق ليس فقط في الأسواق القديمة وإنما في التجارة بشكل عام والتعامل بين الناس.
وهي مجموعة من جمل كثيرة ومعانيها كبيرة رغم قصرها وهي تعكس أخلاقا مهمة بنيت على مدى عصور وخاصة في منطقتنا في الشرق الأوسط حيث كانت دوما على ملتقى ومفترق طرق تجارة.
هذه الطرق التي جاءت بالتجار من الغرب إلى الشرق وبالعكس حيث كانت منطقتنا العربية هي في منتصف الطريق دوما.
وهنا بنى تجار منطقتنا العربية وبلداننا العزيزة مجموعة من الأخلاق والقيم والمبادئ التي تعزز مبدأ العدالة بالتعامل وتشجع الناس على إتباع الأخلاق الحميدة التي تعزز بدورها من رغبة الفرد بالتعامل مع هذا التاجر او ذاك وكذلك تظهر أهمية التعامل بأخلاق عالية في رفع سوية المجتمع ومن أهمها الأسواق.
ومابين تعبير ودعاء «الله يبارك لك» و «الله يعوض عليك» بين البائع والشاري في أسواق دمشق القديمة … هناك قائمة أخلاق نتمنى أن تعيش .
فالبائع يتمنى للشاري أن يعوض الله عليه الأموال التي صرفها ثمن البضاعة التي اشتراها من التاجر. أي انه الآن بعد أن باعه البضاعة يتمنى له الخير كصديق بالمزيد من المال ليستطيع أن يشتري باقي حاجاته ويعيش حياة كريمة.
وبدوره المشتري يتمنى للتاجر أن يبارك الله له بالربح والمال الذي كسبه من بيع البضاعة له أي انه يعطيه ثمن البضاعة وأمنيات بالبركة كصديق.
كم هي قصيرة هذه التعابير وكم هي مهمة في أن تعيش في مجتمعاتنا وخاصة في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها بلادنا وأسواقنا من الظروف الاقتصادية الصعبة والقلة المادية والفقر وعدم الاستقرار الأمني وآثار الحروب.
ولكن الأهم هو أن يستطيع أهل البلد سواء التجار أو الفقراء أو المقتدرين — لان هذا جهد مشترك— أن يحافظوا على هذه الثروة الأخلاقية في التعامل بالأسواق ولا يسمحون لبعض النفوس الضعيفة أن تتخذ من الضائقة المادية مبررا أو سببا لتبرير التعامل الغير عادل أو الغش في المجتمع وفي الربح المادي المبالغ به أو الغير عادل بالأسواق.
التذاكي سهل والغش ربما سهل على النفوس الضعيفة ولكنه بالتأكيد يغلق الطريق أمام التعامل ثانية في المستقبل مع نفس الجهة الغير أمينة والتي لم تكن اهلاً لثقة السوق.
ثروتنا الحقيقية في بلادنا العربية فيها مجموعة كبيرة من الأخلاق والقيم التي بنيت على مدى عصور وسنوات طويلة من التعامل وبناء الثقة بين الأفراد والمجتمعات والأسواق. اللطافة بالتعامل ليست ضعفا وان تكون تاجرا قويا من أهم صفاتك هي الأهلية للثقة والنزاهة.
هذه القيم كانت هي الأساس الحقيقي للتجارة في منطقتنا وخاصة على المستوى المحلي في الأسواق. والأجمل هي عندما تكون هذه القيم هي الأساس الذي يحاول البعض أن يقف عليه في تعامله الأكبر في التجارات الأكبر.
كل عام وأنتم بألف خير وكل عام ويبارك الله لكم في أعمالكم وأرزاقكم.