بقلم: سليم خليل
منذ مائة عام ؛ أي في مطلع القرن الماضي إنتشر وباء الأنفلونزا في العالم وحصد عشرات الملايين من البشر وكانت أسبانيا البلد الأكثر ضحايا وانتشر منها إلى أوروبا ثم إلى العالم أجمع ولذلك أطلق عليه إسم الأنفلونزا الأسبانية .
بعد الحرب العالمية الأولى إنتصر الحزب الشيوعي الروسي وانتهت الرأسمالية في روسيا وأخذت الشيوعية تنتشر في العالم واعتنقتها الملايين من البشر في العالم أملا بالتغيير إلى الأفضل واندلعت في أسبانيا ثورة وانقلب الجيش على النظام الملكي الإقطاعي وأصبحت أسبانيا موقع حرب النفوذ بين الرأسمالية والشيوعية إنتصرت فيها الرأسمالية في مطلع الثلاثينات بقيادة الجنرال الشهير – فراكو – الذي دعم الملكية وأعادها إلى الحكم بعد عقدين من الزمن. كانت الحرب الأهلية شاملة وخلالها إنتشرت الإنفلونزا بسرعة ساعدت على حصاد ملايين البشر نتيجة الفوضى العارمة وإنعدام الخدمات الطبية للحد من إنتشارها طيلة الحرب الأهلية . تطوع الكثيرون من بلدان عديدة في العالم لمناصرة المعسكرين ؛ وكانت نتيجة هذه المناصرة وعودة المقاتلين إلى بلدانهم سببا لإنتقال الإنفلونزا السريع إلى الكثير من الدول وأطلق على هذا الوباء إسم الإنفلونزا الأسبانية .
شاركت الولايات المتحدة في هذه الثورة وأرسلت الكثير من المقاتلين وأذيعت الأنباء بأن وباء الأنفلونزا جاء مع العائدين من المقاتلين من أسبانيا!
أشهر ضحايا الأنفلونزا الأسبانية في أميركا :
الأخوان – جون دودج تولد ١٨٦٤ وهوراس دودج تولد ١٨٦٨ أصحاب شركة سيارات دودج
نذكر الأخوان دودج كضحايا الأنفلونزا لعظمة وأهمية دورهما في نهضة صناعة السيارات الأميركية وإزدهار شركتهما ثم إنهيارها بعد وفاتهما بالإنفلونزا الأسبانية :
ورث الأخوان – دودج – الخبرة الصناعية في خراطة المعادن من عائلة والدهما وانتقلا إلى مدينة وندزر مقابل مدينة ديترويت حيث أنتجا دراجات عادية ثم إنتقلا عام ١٩٠٠ إلى ديترويت مدينة- مائتي ألف نسمة – بهدف المباشرة بأعمال كبيرة في صناعة قطع للسيارات وكانا في مطلع الثلاثينات من العمر ؛ تطور الإنتاج بسرعة فائقة وأنتجا محركات لشركة – أولدزموبيل- ثم علب سرعة وقطع أخرى أساسية . في تلك المرحلة ولدت عدة شركات لإنتاج السيارات ضمنها شركة – هنري فورد – الذي بدأ بتجميع سيارته من قطع من عدة مصانع .
قرر هنري فورد حصر حاجاته في مصنع واحد وكان الأخوان دودج في طليعة المنتجين فتعاقد معهما لإنتاج المحرك وعلبة السرعة والهيكل وهذه الأجزاء تشكل أكبر وأهم أجزاء السيارة.
توسعت شركة فورد بسرعة في الإنتاج والمبيعات وبشكل أكبر من إمكانياتها المادية ما أجبر هنري فورد على بيع حصة كبيرة من أسهم شركته للأخوان – دودج – تسديدا لقيمة توريدهما الأجزاء الأساسية لسياراته المباعة بتسهيلات دفع وتقسيط للمستهلكين .
بعد مرور عدة سنوات إرتفع سعر أسهم شركة فورد وفي ذات الوقت كان الأخوان دودج جاهزان لإنتاج سيارة خاصة بهما .
باعا أسهم شركة فورد وأنتجا سيارة دوج عام ١٩١٤. إرتفعت أرقام إنتاج دودج إلى 121000 سيارة سنويا عام ١٩١٩ كما إرتفع رقم مبيعاتهما إلى ١٢١ مليون دولار سنويا .
نتيجة خبرتهما الطويلة بصناعة أجزاء سيارات لعدة مصانع كسبا شهرة ممتازة ساعدتهما على الدخول إلى السوق بقوة وسمعة بأن سيارة دودج متنينة وقوية وأفضل من باقي السيارات. كانت سيارة دودج أول سيارة فيها عداد سرعة و (ستارتر) لإدارة المحرك وبيعت ب -٧٨٥- دولار مقابل -٤٩٠- دولار لسيارة فورد الغير مجهزة بـ (ستارتر) وعداد سرعة.
في عام ١٩٢٠ وصل إنتاج مصانع دودج إلى -١٤٥٠٠٠- سيارة وكان عدد العاملين في الشركة ٥٠٠٠ موظفا و ١٧٠٠٠عاملا . لم يستمر الإزدهار طويلا ؛ أصيب جون بالإنفلونزا وتوفي في ١٤–١-١٩٢٠ وهوراس أيضا توفي بذات المرض في ١٠-١٢-١٩٢٠ .
ورثت زوجتاهما اكبر شركة سيارات في العالم ولم تستطعن إدارة الشركة بجدارة ؛ سيطر المدراء على الشركة
التي أخذت تفقد سمعتها كسيارة درجة أولى لتصبح بمستوى السيارات الأخرى .
أما بالنسبة لمنشأ الوباء بقي أسمه الأنفلونزا الأسبانية عالميا طيلة القرن الماضي لغاية مراجعة الأسباب وتحليل منشأه وكيفية إنتشاره وإمكانية دخوله أسبانيا مع المقاتلين المتطوعين ؛ ونتيجة إعادة الدراسة تبين أن صحيفة محلية في مدينة في كنساس الأميركية بتاريخ ١١ آذار/ مارس ١٩١٨ أي قبل إنتشار الوباء في أسبانيا تحدثت عن وفيات من
وباء صعب معالجته بالأدوية المتوفرة محليا وكانت أعراضه شبيهة بالأنفلونزا التي إنتشرت في أسبانيا ومنها إلى العالم .
حاليا يكثر الحديث عن منشأ وباء الكورونا – كوفيد ١٩- هل ستعرف الأجيال القادمة بعد ٣٠ أو ٥٠ سنة أو أكثر حقيقة منشأ هذا الفيروس الفتاك الذي لم يتمكن العلماء – بالرغم من التقدم العجيب للعلوم والأبحاث- بعد عشرة أشهر من ظهوره ؛ من الحد من إنتشاره وفتكه بالبشرية ؟؟