بقلم / مسعود معلوف
سفير متقاعد
في الخامس من شهر نوفمبر من هذا العام ستجري في الولايات المتحدة الإنتخابات الرئاسية والإنتخابات التشريعية. مدة ولاية الرئيس الأميركي أربع سنوات ولا يحق له أن يكون رئيسا لأكثر من ولايتين. فالإنتخابات الرئاسية تجري إذاُ مرة كل أربع سنوات.
أما الإنتخابات التشريعية فهي تشمل غرفتي الكونغرس، أي مجلس النواب ومجلس الشيوخ. مجلس النواب يضم 435 نائبا موزعين على الولايات الخمسين وفقا لعدد سكان كل ولاية. فالولاية التي فيها عدد كبير من السكان مثل كاليفورنيا يمثلها 52 نائبا، بينما عدد نواب ولاية نيويورك يبلغ 26 نائبا، وولاية ألاسكا التي هي قليلة السكان يمثلها نائب واحد. تجري إنتخابات مجلس النواب مرة كل سنتين ويمكن للعضو أن يترشح في جميع الدورات الإنتخابية.
الأمر يتغير بالنسبة الى مجلس الشيوخ الذي يبلغ عدد أعضائه 100 ويتمثل بعضوين عن كل ولاية بصرف النظر عن عدد سكان الولاية. فلكل من كاليفورنيا ونيو يورك وألاسكا مثلا عضوان في مجلس الشيوخ مثلها مثل جميع الولايات الأخرى. يخدم العضو المنتخب في مجلس الشيوخ مدة ست سنوات وتجري انتخابات جزئية لثلث الأعضاء كل سنتين.
هذه السنة سيجري إذاُ في اليوم نفسه إنتخاب رئيس البلاد وجميع أعضاء مجلس النواب (435) وثلث أعضاء مجلس الشيوخ (33) الذين قضوا ست سنوات في هذا المجلس.يتنافس في هذه الإنتخابات حزبان، الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري، والذين لا ينتمون الى أي من هذين الحزبين يُعتبرون مستقلين.
سأعرض في هذه المقالة، باختصار كبير، أهم القضايا التي يأخذها الناخب الأميركي بالإعتبار عند الإدلاء بصوته في الإنتخابات الرئاسية، بعد عرض سريع لخلفية المرشحين للرئاسة.
غالبا ما يكون في المعركة الإنتخابية مرشحان للرئاسة واحد عن الحزب الديمقراطي وآخر عن الحزب الجمهوري يجري اختيار كل منهما عبر ما يعرف بانتخابات تمهيدية مبكرة داخل كل حزب إذ يختار أعضاء الحزب، في هذه الإنتخابات التمهيدية، من سيكون مرشح الحزب للإنتخابات العامة التي تجري يوم الثلاثاء الذي يلي أول يوم اثنين من شهر نوفمبر كل أربع سنوات.في بعض الأحيان، كما هي الحال هذه السنة، يترشح ايضا مستقلون وإن كان معروفا أن حظهم في الفوز شبه معدوم.
مرشح الحزب الديمقراطي هذه السنة هو الرئيس جو بايدن الذي يحاول الفوز بولاية ثانية، ومرشح الحزب الجمهوري هو الرئيس السابق دونالد ترامب الذي لم يتمكن من الفوز بولاية ثانية عام 2020 وهو يحاول ذلك من جديد هذه السنة، كما أن هنالك ثلاثة مرشحين مستقلين أبرزهم روبرت كنيدي الابن، وهو نجل روبرت كندي شقيق الرئيس المغدور جون كنيدي والذي كان وزيرا في ستينيات القرن الماضي وتم اغتياله عام 1968 على يد المواطن العربي سرحان بشارة سرحان.
ما هي العوامل التي تدفع الناخب الأميركي الى اختيار هذا المرشح أو ذاك؟
لا شك أن الإنتماء الحزبي هو العامل الأول الذي على أساسه يدلي الناخب بصوته إذ معظم الديمقراطيين يصوتون لمرشح حزبهم كما أن معظم الجمهوريين يفعلون نفس الشيء، إلا أن هنالك اسنثناءات تحصل عندما لا يوافق الناخب على بعض مواقف مرشح حزبه، فإما ينتخب مرشح الحزب الآخر أو يمتنع عن التصويت. الرئيس بايدن يتعرض هذه السنة لمثل هذه الحالة إذ أن موقفه المؤيد لإسرائيل بصورة غير محدودة في حربها على قطاع غزة أدى الى معارضته من قبل أعداد كبيرة من الناخبين الديمقراطيين من أصول عربية وإسلامية وكذلك عناصر شبابية كثيرة في الحزب الديمقراطي، علما أن هؤلاء الناخبين ساهموا مساهمة كبرى في إيصاله الى البيت الأبيض عام 2020.
شخصية المرشح تلعب أيضا دورا عند الناخب. فالرئيس بايدن سيكون عمره 82 سنة في فترة الإتناخابات وعنده زلات لسان وحالات نسيان يركز عليها خصمه دونالد ترامب إذ يتهمه بأنه على أبواب الخرف، وسيأخذ عدد من الناخبين هذا الوضع بالإعتبار عند الإدلاء بصوتهم. كذلك الرئيس السابق دونالد ترامب عنده مشاكل قانونية كثيرة ومحاكمات عديدة بتهم خرق الدستور،وتشجيع حركة تمرد،وتزوير مستندات مالية، ومخالفات قانونية مختلفة، وبعض هذه المحاكمات قد تؤدي الى حكم بالسجن، وقد أعلن عدد من الشخصيات من حزبه الجمهوري رفضهم التصويت له.لقد أبدى عدد كبير من الناخبين من الحزبين انزعاجهم من هذا الوضع معربين عن احتمال عدم مشاركتهم في الإنتخابات القادمة.
طبعا هنالك قضايا داخلية هامة وقضايا لها علاقة بالسياسة الخارجية يتم مناقشتها في الحملة الإنتخابية علما أن الشؤون الداخلية، بصورة عامة، تلعب دورا أكبر من الشؤون الخارجية.
في القضايا الداخلية يلعب الوضع الإقتصادي ومشاريع المرشح فيما يتعلق بأسعار المواد الأساسية، ومحاربة البطالة والتضخم المالي، وتأمين فرص عمل،الدور الأبرز الذي يهم الناخب.يركز ترامب كثيرا على ارتفاع أسعار المواد الغذائية معلنا عزمه على معالجة ذلك في حال فوزه لاجتذاب أصوات الناخبين،رغم أن البطالة هبطت نسبتها بشكل ملموس في عهد الرئيس بايدن والوضع الإقتصادي مقبول بصورة عامة، ولكن المرشح الخصم يركز دائما على السلبيات ويضخمها.
من القضايا الداخلية الأساسية التي ستلعب دورا هاما هذه السنة قضية الهجرة غير الشرعية عبر الحدود مع المكسيك. هذا موضوع قديم لم تتم معالجته منذ سنوات عديدة وتعاني منه الولايات المتحدة بسبب تدفق النازحين بالآلاف يوميا عبر هذه الحدود. كان مجلس الشيوخ توصل مؤخراً الى صياغة مشروع قانون وافق عليه الحزبان وكان على وشك إرساله الى مجلس النواب للتصويت عليه قبل أن يوقعه الرئيس بايدن ليصبح نافذا، ولكن ترامب أوعز الى أعضاء الحزب الجمهوري برفض هذا المشروع الذي كان من شأنه أن يساهم بعض الشيء في معالجة هذه المسألة، وهو يستعمل الآن قضية النزوح والهجرة غير الشرعية لانتقاد الرئيس بايدن متهما إياه بالضعف وعدم تمكنه من معالجة هذه المعضلة.
في مقابل ذلك، سيكون موضوع الإجهاض القضية التي سيواجه بها بايدن خصمه ترامب الذي سبق له أن عين، أثناء فترة رئاسته، ثلاثة قضاة يمينيين محافظين في المحكمة العليا المؤلفة من تسعة أعضاء إذ أصبحت أكثرية الأعضاء من المحافظين. في العام الماضي، أصدرت المحكمة العليا قرارا بإبطال قانون صادر عام 1973 يقضي بالسماح بالإجهاض في الولايات المتحدة كافة. سيركز بايدن في حملته على هذا الموضوع الذي يهم النساء بصورة عامة ليكون أحد المواضيع التي سيحارب ترامب بها واعدا أنه في حال انتخابه سيقوم بكل ما يمكن القيام به من أجل إعادة تنفيذ قانون الإجهاض.
هنالك أيضا مسائل داخلية أخرى مثل قانون الضرائب إذ يركز بايدن على إلغاء تدابير مالية كانت اتخذت أيام رئاسة ترامب لإعفاء العديد من كبار الأغنياء من بعض الضرائب وقد وعد باتخاذ التدابير اللازمة لتحقيق عدالة أكبر في هذه المسألة.
أما بالنسبة إلى السياسة الخارجية، فإنها على ما يبدو ستلعب هذه المرة دورا أكبر مما كان يحصل في الحملات الرئاسية السابقة وهي تتعلق بصورة خاصة بالدعم الأميركي لأوكرانيا وإسرائيل. الجمهوريون لا يؤيدون إرسال المزيد من المساعدات المالية لأوكرانيا والرئيس السابق ترامب لا يكن كثيرا من الود للرئيس الأوكراني زيلينسكي لأنه أثناء رئاسته، كان طلب منه إجراء تحقيق قضائي مع ابن الرئيس بايدن الذي كان لديه علاقات عمل في أوكرانيا بغية استعمال نتائج التحقيق ضد بايدن في الحملة الإنتخابية الماضية، ولكن زيلينسكي لم يجد ما يمكن أن يفيد ترامب في هذه القضية فقطع هذا الأخير قسما كبيرا من المساعدات عن أوكرانيا،علما ان علاقات ترامب مع الرئيس الروسي بوتين كانت وما زالت جيدة.
أما بالنسبة الى إسرائيل فكلاهما داعم قوي للدولة العبرية والفرق أن بايدن أعاد الى المواقف الأميركية مسألة حل الدولتين التي كان ألغاها ترامب بالكامل بينما بايدن يؤيد، وإن بالكلام فقط حتى الآن، إقامة دولة فلسطينية. الجاليات العربية والإسلامية منزعجة الآن كثيرا من بايدن مثلما كانت منزعجة من ترامب بسبب مواقفه ضد الدول الإسلامية وإعطائه كل شيء للإسرائيليين بما في ذلك هضبة الجولان السورية، والمشكلة التي يواجهها العرب والمسلمون الأميركيون هي أن عدم التصويت لبايدن من شأنه أن يساعد ترامب الذي يعتبر أسوأ من بايدن بالنسبة الى القضية الفلسطينية.
يبقى أن نشير، في هذا العرض المختصر جدا، أن المال يلعب دورا كبيرا جدا في الإنتخابات ليس طبعا لشراء أصوات الناخبين ولكن لتغطية النفقات الباهظة التي تتكبدها الحملة الإنتخابية من نفقات سفر الى مختلف المناطق في هذه البلاد الواسعة من أجل عقد لقاءات مع الناخبين، واستئجار قاعات وملاعب كبرى للمهرجانات الإنتخابية، وشراء دعايات مكلفة جدا في محطات التلفزيون في مختلف الولايات، والمرشح الذي يستطيع جمع أموال أكثر من خصمه تزداد حظوظه في النجاح إذ يستطيع إيصال رسالته الى أعداد أكبر من الناخبين. لذلك نرى قوة اللوبي الإسرائيلي في المراحل الإنتخابية لأنه يستطيع تأمين أموال طائلة لدعم المرشح الذي يعتبره أكثر تأييدا لإسرائيل.
من المبكر التكهن بمن سيفوز في الإنتخابات القادمة إذ أن استقصاءات الرأي تظهر بعض التساوي بين المرشحين، وما زال أمام بايدن ستة أشهر لاتخاذ مواقف وإجراءات قد تعيد إليه التأييد العربي والإسلامي في الولايات المتأرجحة كي يفوز على ترامب مثلما حصل في إنتحابات 2020.فهل سيقوم بذلك أم سيستمر في مواقفه الحالية كي لا يخسر تأييد اللوبي الإسرائيلي؟
يتفق المراقبون على أن نتنياهو سيحاول إطالة فترة الحرب قدر الإمكان سواء عبر رفح أو لبنان أو حتى مع إيران ولن ينصاع للتوجيهات الأميركية لأنه يعرف أن الولايات المتحدة برئاسة جو بايدن أو دونالد ترامب لن تقف إطلاقا ضد إسرائيل.