بقلم: عادل عطية
الإنسانية هي الحضن، والحضن أكثر الأماكن الضيقة إتساعاً. وهي عقيدة: أب، وابن، وأخ… لا عقيدة شخص غريب عابر!
ظهرت في أسمى معانيها، مشعة بلا حدود، في فلك نوح، وعائلته… فقد انسكبت على العلاقة الصادقة بين الإنسان والإنسان، وعلى العلاقة الودية بين الإنسان والحيوان!
ولكن لماذا تغيّرت هذه العلاقة من اللون الأخضر، إلى اللون الأحمر؟!
ولماذا ما عادت تنمو في قلوبنا؟
ولماذا تبدو ككلمة غريبة، ورسمية، في هذه الأيام؟
هل لأن السفينة، حين توقفت، في ذلك الوقت، كانت على أرض لا تزال، في ذلك الوقت، مجروحة من عواصف السيول الجارفة المميتة؟
أم لأننا قسمنا الطيور إلى غراب خرج ولم يعد، وحمامة عادت وعلى شفتيها غصن من شجرة زيتون، وقسمنا الحيوانات إلى صديقة، وإلى أخرى مولودة للصيد والهلاك، وقسمنا الناس إلى فريقين، يشتد بينهما التوتر والصراع؟
أم لأن دود الخل منه وفيه، على حد تعبير المثل السائر، المُخجل والمؤلم؟
ولماذا نحن المشرقيون، حيث بدايات الحياة والإيمان المقتدر في فعله، أصبحنا من أكثر أهل الأرض براعة في: التقسيم: والعداوة، والإبادة الجنكيزخانية!
ألأننا ولدنا على أرض مهد الأنبياء الأتقياء؛ فزهدنا في الصالحات والنافعات، وصرنا عنها نبتعد؟
أم لأننا نعيش تحت رحمة شعلة الشمس، التي تحرق إنسانيتنا، وتلوّن قلوبنا ومشاعرنا برمادها القاتم القميء؟
لماذا، وحدنا، دون غيرنا، نرى الحيوانات الضالة من الكلاب والقطط وهي تهرب من أمامنا، تعاني خوفاً شديداً منا؟
ولماذا، وحدنا، ودون غيرنا، نرى الطيور المغردة، وهي تطير مبتعدة عنا، وقد سرى فيها خوف غامض حتى من ظلنا؟
ألسنا لأننا غرسنا فيها، بإقتناع مؤثر، الشعور الدائم بأننا كائنات شريرة، حتى شيدوا صورة لنا، وكأننا كلنا من أنسال الجزارين، فإن أطعمناها فلكي نذبحها، وإن أمسكناها فلكي نفتك بها؟
ان الحيوانات غير الناطقة، نطقت بسبب تصرفاتنا الحمقاء، ولعل من أكثر العبر إقتباساً، قصة “بلعام بن صور”، الذي أحب أجرة الإثم، ولكنه حصل على توبيخ تعديه، إذ منع حماقته: حمار أعجم ناطقاً بصوت إنسان!
إن الإنسانية مستمرة هناك، بإستقلال عنا، وما تزال تنبعث نوراً وجمالاً في كل ناحية، وعلينا استعادتها، كمطلب إنساني، وبإرادة منتصرة، ونملأ بها مخازننا المملوءة بالفراغ، فنعيش مع الآخرين بلطف وتؤدة، ونغمرهم بعطفنا ولمسات حناننا، ونحتويهم من غير امتلاك!
وعندما يجيء الوقت، وتجد أن الذي لا يؤمن بما تؤمن به، أو ينكر وجود الله، يقترب بحب منك، ويتحدث بثقة معك، وأن الحيوانات الضالة بدأت تتمسح بأهدابك، وأن الطيور باتت تنزل عن الشجرة وتحط على راحتيك، وتلتقط الحب من يديك، وعندما تصغي إلى أصوات الأوز، وتسمع حفيف أجنحته، وهو يحط على سطح الماء، ولما يراك يقترب من ظلك؛ في هذه جميعها، تستطيع أن تدرك إن إنسانيتك المفقودة عادت إليك، وأشرقت في حياتك!