بقلم: سليم خليل
في القرن الخامس عشر تحدث المؤرخ إبن تغري بردي عن غزو المغول لسوريا في مذكراته قائلا :
لما قدم الخبر على أهل دمشق بسقوط حلب نودي في الناس بالرحيل من ظاهرها إلى داخل المدينة فأخذوا في ذلك ؛ وكان قد أتاها إثنان كانا قد شهدا ما جرى في حلب وفرّا منها وحدّثا الدمشقيين عما فعل تيمور فهّمَ أهل دمشق بالجلاء ولكنهم مُنعوا من ذلك ونودي فيهم: من سافر نُهٍب ، فعاد إليها من خرج منها ،
وحُصٍنت دمشق ونصبت المنجنيقات والزيت المحمي على أسوار المدينة واستعدوا للقتال .
وجاء تيمور فجعل عسكره بين قرية قطنا وداريا فملأت الأرض؛ وركب طائفة لكشف الخبر فوجدوا السلطان الناصر والأمراء قد تهيئوا للقتال وصُفَّت العساكر السلطانية فبرز إليهم المغول وصدموهم صدمة هائلة ، وثبت كل من العسكريين ساعة فكانت بينهم وقعة إنكسرت فيها ميسرة السلطان وانهزم العسكر الغزاوي وغيرهم إلى ناحية حوران وحمل تيمور بنفسه حملة شديدة ليأخذ دمشق فدفعته ميمنة الدمشقيين بأسنان الرماح حتى أعادوه إلى موقعه وعاد كل من العسكريين.
إجتمع في دمشق خلائق كثيرة من الحلبيين والحمويين والحمصيين وأهل القرى ممن هرب جافلا من تيمور ماعدا العساكر من أهل دمشق الذين أصبحوا ووجدوا الملك الناصر قد هرب لأنه بلغه أن جماعته في مصر يسلطنون غيره ؛ وعرفوا أنهم صاروا بلا رئيس فأغلقوا أبواب دمشق وركبوا الأسوار ونادوا بالجهاد وقاتلوا جيش تيمور من أعلى الأسوار أشد قتال ، وردوه عن السور والخندق وأسروا جماعة ممن إقتحموا باب دمشق وأخذوا خيولهم وقتلوا منهم نحن ألف وأدخلوا رؤوسهم إلى المدينة.
لما أعيى تيمور أمر الدمشقيين أخذ يخادعهم فأرسل بطلب الصلح طالبا التفاوض مع ممثلين علماء المدينة وحضر المفاوضون وكان بينهم المؤرخ الشهير إبن خلدون الذي كان آنذاك بدمشق ؛ طلب تيمور لقاء إنهاء الحصار بتسليم لائحة أشياء تسعة من كل صنف ( تسعة خيول، تسعة سيوف إلخ ) وافق الدمشقيون وسلموا المطلوب وإذا به ينقلب ويقول نحن نحسب بطريقة مختلفة قائلا التسعة تعني تسعة ضرب عشرة ، وافق الدمشقيون وقدموا المطلوب تحاشيا للدمار والقتال.
وأخيرا قال تيمورلنك للمفاوضين الدمشقيين إن جنودي يؤمنون بقداسة الجامع الأموي ويريدون قبل مغادرة المنطقة أن يتباركوا بزيارة هذا المقام المقدس وعرض أن يدخلوا مجموعات من مئة جندي يوميا غير مسلحين للتبارك والعودة ؛ وافق الدمشقيون وأخذت مجموعات الجنود تدخل باب المدينة وخضعوا للتفتيش الدقيق وتمًت الزيارات بسلام وتصرف الجنود بلطف وحسن المعاملة مع السكان إلى أن اطمئن حرس الأبواب الدمشقيون لحسن نوابا المغول؛ وذات يوم دخل المغول بأسلحة مخبأة تحت لباسهم وغدروا حراس الأبواب بقتال عنيف ودخل على الفور باقي جيش المغول واحتلوا دمشق التي صمدت عدة أشهر .
أختصر صفحتين من كتاب المؤرخ إبن تغري بردي :يصف الكاتب بأبشع العبارات منها السرقة والاغتصاب والعنف والتعذيب وقطع الرؤوس واختطاف الحرفيين والعلماء بشكل تشمئز منه النفوس؛ وما جرى في دمشق تتناقله الأجيال بعد الأجيال بكلمات : تيمورلنك مرّ في دمشق كذكرى مؤلمة للهمجية التي عانتها دمشق وسكانها .
أما اسم تيمور فهو مرادف للرعب وقلائل أطلقوا اسمه على أولادهم ولنك تعني الأعرج لأنه تلقى ضربة قاسية سببت له العرج وزادت من وحشيته ؛ أما السياسي اللبناني وليد بيك جنبلاط إختار إسم تيمور لإبنه إنتقاما لمقتل والده كمال على يد الجيش السوري خلال حكم الوصاية السورية في فترة الحرب الأهلية اللبنانية في الثمانينات من القرن الماضي؛ كما اصطحب وليد بيك إبنه تيمور النائب في البرلمان اللبناني لدمشق وكان من أوائل المهنئين لحاكم دمشق الجديد أحمد الشرع وفي القصر الذي بناه حافظ الأسد .