بقلم: سليم خليل
يذكر التاريخ القائد البريطاني – لورانس العرب – الذى دعم الشريف حسين الهاشمي والي الحجاز ليتسلم حكم المنطقة العربية بعد انهيار الأمبراطورية العثمانية ؛ ويهمل العميل البريطاني – جاك فيليبي – الذي عمل مع قبيلة آل سعود وشجعها على إجتياح الكويت خلافا لرغبة حكومته في بريطانيا ثم إجتياح الحجاز ونزوح العائلة الهاشمية مع لورانس العرب إلى الشمال – سوريا والعراق.
جاك فيليبي عميل بريطاني ماكر داهية ومثابر أرسلته حكومة بريطانيا إلى الهند بمهمة جابي ضرائب ؛ تعلم بسرعة اللغة الهندية والبوشتو والبنغالية. في الحرب العالمية الأولى أنتقل إلى البصرة في جنوب العراق حيث نشبت الحرب بين الإنكليز والأتراك الذين انحازوا إلى الألمان ؛ وفي العراق تعلم اللغة العربية وأتقنها . في السعودية كانت قبيلة آل سعود مرتبطة بالكابتن البريطاني ويليم شكسبير – قريب الشاعر الشهير- الذي قتل في معركة بين آل سعود وآل الرشيد الميالين للأتراك ؛ لذلك تم نقل جاك فيليبي ليخلف شكسبير للإرتباط بآل سعود.
نتيجة صعوبة الإتصالات مع إنكلترا الوطن الأم كان العملاء ينقطعون عدة أشهر عن إداراتهم لذلك كانوا يتصرفون ويديرون الأمور حسب قناعتهم ؛ وهذا ما دفع جاك فيليبي ليشع عبد العزيز آل سعود على إجتياح الكويت التي كانت تحت إدارة الكولونيل الإنكليزي هاملتون الذي كان يساعد آل الصباح على إدارة إمارة الكويت؛ نتيجة إجتياح الكويت وُلدت عداوة بين فيليبي والكولونيل هاملتون وأصبح فيليبي مغضوبا عليه من مفوضية إنكلترا في العراق.
وجد فيليبي في آل سعود القوة الكافية ليتولوا حكم الجزيرة العربية بكاملها ؛ سرعان ما خرج فيليبي على الناس يرتدي الثياب العربية ويمتطي جملا ويصحب مقاتلي آل سعود الوهابيين في القتال .
أما مهمة لورانس العرب كانت مرافقة الشريف حسين الهاشمي والي مكة والمدينة أيام حكم الأتراك والتحضير ليتسلم آل الحسيني حكم المنطقة بعد الأتراك. تعتبر أسرة الحسيني من سلالة النبي – عليه الصلاة والسلام- وكانوا يتمتعون بمكانة سامية دينية وسياسية في كل الوطن العربي بحكم مقامهم ولاة وحماة الأماكن المقدسة .
بعد المعارك العديدة التي شارك فيها فيليبي آل سعود تمت عنده القناعة بأن رجل الأقدار في المنطقة هو عبد العزيز آل سعود وليس شريف مكة الحسيني. أما قناعة الجميع كانت أن آل الحسيني أفضل الحكام بعد إختفاء الأتراك : وهذا ما حدث لغاية عام – ١٩٢٥- عندما شجع فيليبي آل سعود بإجتياح الأماكن المقدسة، وانطلقت قبيلة آل سعود من شرق ووسط الجزيرة العربية بإتجاه الغرب والحجاز بقتال دامي أجبر شريف مكة حسين الهاشمي المقرب من لورانس والمؤسسة الإستعمارية البريطانية على الرحيل شمالا إلى سوريا والعراق ؛ وأصبحت مدينتا مكة والمدينة المنورة جزءاً من المملكة الجديدة – المملكة العربية السعودية -.
وًصف جاك فيليبي بأنه رجل صعب لا يخضع لسيطرة أحد ومتسيد بأكثر مما ينبغي . بعد الإجتياح عام 1930 في شهر آب/ أغسطس أعلن جاك فيليبي اعتناقه الإسلام وارتدى لباس شيخ عربي وأصبح اسمه عبدالله فيليبي واستطاع السفر إلى الأماكن المقدسة لتأدية شعائر العمرة حيث طاف بالكعبة مع المتعبدين ووصف هذه التجربة بأنها تبعث الرهبة في النفس . هكذا أصبح فبليبي قادرا على المشاركة كاملا في ساحات البلاط الملكي وبعدها وهبه إبن سعود سرية إسمها مريم تكريما لتحوله إلى الإسلام .
هكذا خرج فيليبي من هذه الأحداث اليد اليمنى للملك عبد العزيز آل سعود وأمين أسراره . في تلك الفترة استطاع فيليبي دراسة القرآن الكريم وكان يناقش الملك في تفسير الأيات .
خلال عقدين من الزمن تسلم فيليبي العلاقات التجارية فكان على كل شركة ترغب بعقود عمل في السعودية أن تناقش فيليبي في العقود ؛ فربح ثروة هائلة .
في نهاية الثلاثينات إندلعت في أوروبا الحرب العالمية الثانية بإنتصارات ألمانيا على الساحة الأوروبية فأصاب فيليبي اليأس من ضرورة إعلان الحرب على ألمانيا ؛ فإذا به يهمس في أذن الملك أنه لا مانع من شراء أسلحة من الألمان لفتح قناة مجاملة ؛ وهذا ما حدث مع وعود بشراء أسلحة من بريطانيا والوقوف معها في مناهضة الحرب .
غادر فيليبي السعودية واعتقلته المخابرات البريطانية لفترة ثم أطلق سبيله وسمح له بالعودة إلى السعودية بعد أن رضي عنه الملك . عاد ووجد سلواه في الوهابية وتقيد بالسلفية والتشدد في الدين .
عام ١٩٥٥ بعد تغيرات هائلة على المستوى العالمي كان فيليبي قد بلغ التاسعة والستين . إنتهى حلم عبد الله فيليبي فشكا للملك الجديد سعود من الفساد المستشري في المملكة فإذا بالملك الجديد سعود يبسق عليه بحضور رجال القصر والحاشية وأمر بنفيه إلى لبنان .
حاليا تقف المملكة العربية السعودية على مفترق طرق مع رغبات في تطوير الحياة الإجتماعية إلى الإنفتاح نحو حرية المرأة والمجتمع وكل ما نتمناه لهذه البلاد الإستقرار والإزدهار وعلاقات ودية مع الجوار .