الأديبة والباحثة : إخلاص فرنسيس
أنا أفكر إذن أنا موجود، الفيلسوف ديكارت، الرجال نتاج زمنهم، أي رجال سوف ينتج زمننا الاني، إذ تحيط بنا الكوارث والأحزان، ما السبيل إلى تشكيل هوية وذاكرة جمعية جديدة، كيف يمكننا أن نمسح من ذاكرة الأطفال مذاق الألم، ونستبدل حواسه المشوهة المبتورة، نماذج حية لمأساة أموات تسير بيننا، هل هناك احتمالية أن يبدأ الوعي في الانتصار على اللاوعي، الذي يقودنا في حياتنا هل يمكن أن يتكون جنين الأمل في رحم الألم؟ تساؤلات اكتبها جزء من حلم ربما، انقلب على الواقع المرئي الذي يطالعنا يوميا في الإعلام، الإنسان المحدود، في ظل الوجود الأعلى، إنه لمن السخف أن تكون كلمة اليوم هي ممحاة لكلمة الأمس، وإن كانت، من يستطيع أن يمسح كي النار عن الأفئدة، نار زرعها الإنسان على الإنسان الآخر، أن تؤخذ الحياة عنوة، هل تكون كما أن تعطي تلك الحياة؟
تثقيف الأفراد، توطيد العلاقات في فوضى العنف في ليل ممتد إذ يحدق الموت في عيون الإنسان ساخرا، حيث تعددت وتفاقمت طقوسه قهرا، ذلا، وغصة، على طقوس الحياة، ما بين وطن وآخر، حيث تنتهي مأساة لتبدأ أخرى، وأصبحت حياة الوحش أكثر إنسانية من حياة الإنسان، يمتلك حرية أكبر، وأخلاقية أعلى، لا توجد عصابة تسطو على أمله وعواطفه. أطارد نقطة ضوء في مجهر الزمان، وقلبي يتدلى في مستنقع من الوجع، أحدق في الطفولة القلقة المسلوبة، وأحار في من سيعيد الاتزان النفسي لها، وأنا على عتبة الغربة، تستدرجني ذاكرتي وأحاسيسي إلى تلك الصورة، أبحث فيها عن الجمال في الفن والبشر والحجر، تعيدني اللحظة خطوة إلى الوراء بل خطوات، في الزمان والمكان حيث تلقى عقلي في بداية تكوينه، لا جمال دون عدالة، ما بين الوهم والحقيقة، نحن مرغمون على مواجهة خطر الألفة مع البشاعة في الأجيال القادمة، إذ تطالعنا في شتى الصور، كالبرق تقتلعنا منا، كيف يمكننا التعامل مع هذه المشاهد التي تثير التقزز، وكأنها وجدت فقط لتعذب الإنسان وتقذفه إلى الجحيم، دون توقف. كيف يمكننا درء الخطر عن أجيال المستقبل، الذين يتعرضون يوميا إلى منظر الدم والتفسخ، وتأثيره على الصحة النفسية لهم في ظل الظروف الراهنة، من يرتق شرخ الروح، ويعيد تشكيل الهوية البشرية، كيف يمكننا أن نرسم مستقبل الإنسانية، إذ تتعاون المصائب بأشكالها في ظل الإعلام الآني، الإعلاميّ الشكل والإعلانيّ المضمون، بين الحقيقة الفعلية والحقيقة الإعلامية المراد ترويجها، الإعلام الموجه والإعلام المأجور والطائفي، والعرقي، والتجاري الدعائي. إذ نسعى لمغادرة عصر الوجع قتل، ذبح، خطف تهجير، تفجير، خسرنا معركة واقعنا الاجتماعي والتاريخي، نحن لسنا في زمن يدعو إلى اعتناق العنف، نموج على ألسنة اللهب، زمن الأسى، يستولي علينا، يتملكنا الموت، يحكم قبضته، ننسى النور بسلبية ضالة، حماقة كبرى أن تبوء كل محاولات السلام إلى الفشل الحقيقي، وفي انتظار انفلات الضوء تخترقني دمعة، تكورت على شفتي، من احتراق المساء، كلمة تحرك الكون، لأن في البدء كان الكلمة، وفي البدء وجدت المحبة، ولم يعد هناك من وقت لتأجيلها، أو إبرام عهد ووعد معها، كلمة لا يرتاح الإنسان دونها، كلمة تحقن الدماء وتطلق سراح الإنسانية نحو الهدف الأسمى من وجوده.