كتبت : سوسن شمعون
ليس من الضروري أن تكون صاحب خبرات علمية لتكتشف ذاتك , فالكفاءات العلمية هي ضرورية بلا ريب ولكن لتجارب الحياة دورها الفعال فهي كفيلة بأن تعرفك على نفسك أكثر . فكلٌ منا له طابعه الخاص و صفاته العقلية و السلوكية التي تميزه عن الآخرين , ولكن هل تسائلنا يوماً عن ماهية الذات و حقيقة تكوينها النفسي و الروحي ؟ قد تكون الحياة الدراسية أحد الإجابات ولكن هنا أنا لا أقصد المناهج التعليمية و إنما الشرائح الإجتماعية المختلفة التي نتعامل معها بطرق شتى فهي و بمرور الزمن تروض شخصيتنا من خلال التعامل و التواصل و الحوار و أيضاً الأنسجام و الإختلاف و الخلاف . فإن لتطوير الشخصية و المهارات الكلامية و السلوكية عدة وسائل تصقلها الحياة بكل مراحلها فهي تصمم قالباً خاصاً يتوحد فيه المرء مع ذاته و تتبلور شخصيته مع محيطه . و هنا أود الإشارة لنقطة هامة هي هل توافق الأنسان مع محيطه نتيجة خوف أو ضرر أصابه أو لغاية مبتغاة ؟ هنا نحن أمام مفترق طرق , فمن حيث التأقلم السلبي يمكن القول أن للمراوغ و صاحب الشخصية الماكرة و كثير الحيل يأتي التأقلم سريعاً و لمصلحته , أما صاحب الشخصية الهادئة و الواقف على مبادئة الراسخة فإنه لن يتأقلم بسرعة نتيجة التناقضات التي سيواجهها حتماً بعصبية أو إنفعال أو حتى بالهروب و الإنزواء و الإبتعاد عن ضجيج الحياة . لكن بالنهاية كل هذه الأمثلة موجودة بمجتمعنا و رغم سوداوية المشهد إلا أن الواقع يفرض نفسه , فإن أي شخص يبحث عن ذاته لابد أن يصطدم بعقبات و مفسدات فإما أن ينجرف مع تيار النزعات المخادعة أو يبقى على ما تعلمه من مبادء و أخلاق تتوافق مع فطرته الإنسانية و هنا تكمن البطولة الحقيقية بتحدي الذات بأسمى معانيها . إن تحدي الذات هو طريق لإكتشافها بأبعادها و مكنوناتها و معرفة مدى قوتها و نضجها, و تطوير الذات لا يأتي إلا عندما نبحث عن صور جديدة في حياتنا النمطية و الروتينية المملة و نبقى على ما نحن عليه من أخلاقيات و فضائل رغم كل المغريات و العقبات . لكن علينا أن نبحث دائماً عن التجديد في تعاملاتنا و أساليبنا حتى لا نذبل من الداخل ونموت ببطء قبل وقتنا , و نبني ذاتنا و نطور في شخصيتنا قبل فوات الأوان و ذلك يتم عبر إعمال العقل و الروح معاً في التأقلم مع المجتمع ففكرة أن تعطي دائماً هي أجمل من فكرة أن تأخذ دائماً و تأملوا قوله تعالى في محكم تنزيله (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) التوبة (105) فهذه إشارة إلاهية تحثنا على العمل المستمر و التطور و النمو و التجديد الدائم بأعمالنا و أساليبنا و حتى بروحنا .