بقلم: نعمة الله رياض
في الحياة الواقعية ، ينتج شكل كل فرد جديد من الحيوانات عن طريق تكون الجنين ونموه . والتطور يحدث لإنه يوجد في الأجيال المتعاقبة فروق بسيطة للغاية في النمو الجنيني ، وهذه الفروق تحدث بسبب تغيرات (طفرات) وهذا هو العنصر العشوائي الصغير ، وهذه التغيرت تحدث في الجينات التي تتحكم في النمو .. يتكون التطور من تكرار لا نهائي للتكاثر ، وفي كل جيل يأخذ التكاثر الجينات التي يمده بها الجيل السابق ويناولها للجيل التالي ولكن مع تغيرات عشوائية طفيفة أي طفرات ، والطفرة ببساطة تكون من +1 أو – 1 مضافاً لقيمة جين تم إختياره عشوائياً وهذا يعني انه بتواصل الأجيال ، فإن الكم الكلي للإختلاف الوراثي عن الجد الأصلي قد يصبح كبيرا جدا بالتراكم وانما بخطوة صغيرة في كل مرة ، ورغم ان الطفرات عشوائية فان التغير التراكمي عبر الأجيال ليس عشوائيا والذرية في أي جيل واحد تختلف عن والدها في اتجاهات عشوائية ، لكن انتخاب من يذهب قدما من تلك الذرية الي الجيل التالي لا يكون عشوائيا ..
الكثيرين يجدون صعوبة في التصديق ان العين التي هي علي هذه الدرجة من التركب وحسن التصميم ، يمكن أن تنشأ من بدايات صغيرة بواسطة سلسلة متدرجة من التغيرات خطوة فخطوة .. لنجيب علي السؤالين التاليين : 1- هل يمكن للعين البشرية ان تنشأ مباشرة من لاعين اطلاقا وفي خطوة واحدة ؟ 2- هل يمكن للعين البشرية ان تنشأ مباشرة من شيء يختلف قدرا بسيطاً عنها هي نفسها ، شيء يمكن أن نسميه (س) ؟ .. الإجابه عن السؤال الأول هى بوضوح لا حاسمة ، ونسبة الإحتمالات ضد الإجابة بنعم هي أكبر من عدد ذرات الكون بعدة أضعاف من البلايين ، والإجابه عن السؤال الثاني نعم بشرط ان الفرق بين العين الحديثة وسالفتها المباشرة (س) هو صغير بما يكفي وإذا كانت الإجابة بلا عن السؤال الثاني ، كل ما علينا ببساطة هو ان نعيد السؤال باستخدام درجة اصغر من الاختلاف ونواصل ذلك حتي نجد درجة اختلاف يبلغ صغرها ما يكفي ليعطينا الاجابة بنعم .. هناك نوع من الحيوانات تكتسب الحماية من مفترسيها (بالمحاكاه) ، فحشرات العيدان تبدو كالعود وبهذا تنجو من ان تلتهمها الطيور ، وحشرات اوراق الشجر تبدو كالاورق ، كذلك الكثير من انواع الفراشات تكتسب الحماية بأن تشبه أنواعاً ضارة او سامة ، والانتخاب الطبيعي لديه من الأجيال تعد بالملايين ليعمل علي اكتمال المشابهه ، وبالطبع فان اسلاف حشرات العيدان التي لم تكن تشبه العيدان لم تنتج ذرية واختفت.. ان مشابهه حشرة العود الحديثة للعود متقنة الي حد الروعة بما يصل لأدق التفاصيل النهائية من إصطناع البراعم وندوب الأوراق !! ومن المهم ان نؤكد اننا نستخدم كلمة ( المحاكاه) ، ليس لإننا نعتقد أن الحيوانات تقلد واعية الأشياء الأخري ، ولكن لإن الإنتخاب الطبيعي يحبذ تلك الأفراد التي يخطأ إدراك اجسادها علي انها اشياء أخري .. سؤال آخر عن كل عضو في سلسلة السينات التي تصل العين البشرية بلا عين إطلاقاً ، هل عمل كل واحد منهم جيداًبما يكفي بأن يساعد علي بقاء وتكاثر الحيوانات المعنية ؟ والاجابة نعم لإنه في عالم بدائي حيث بعض المخلوقات بلا اعين وبعضها لها أعين ولكن بلا عدسات ، فان النوع الأخير سيكون له مزايا حاسمة في استمرار حياته .. من المؤكد ان الإنتخاب الطبيعي سوف يقضي علي مخلوقات لها نصف رئة ، فكل رئه من الرئتين في الإنسان البالغ الصحيح تنقسم الي حوالي300 مليون حويصلة ونتيجة ذلك فان مساحة السطح داخل كل رئة تزيد عن 70 ياردة مربعة ، والمساحة هي المتغير المهم بالنسبة للرئه لإنها تحدد سرعة ادخال الأكسجين وطرد ثاني اكسيد الكربون ، ومن المؤكد ان اول من نمي رئتين من اسلافنا كان يعيش في الماء ، ومعظم السمك الحديث يتنفس في الماء بالخياشيم ، علي ان الكثير من الأنواع تدعم ذلك بتجرع الهواء علي سطح المياة ، وهي تستخدم حجرة داخلية للفم كنوع من رئة اولية فجة ، وهذا التجويف يتضخم احيانا ليصبح جيب تنفس غني بالاوعية الدموية، وبسلسلة متصلة من السينات تربط جيبا وحيدا بمجموعة متفرعة من 300 مليون جيب كما في الرئة البشرية .. كيف إتخذت الأجنحة بداياتها ؟ إن حيوانات كثيرة تقفز من غصن إلي غصن وتسقط أحيانا علي الأرض، وعند القفزة يتمسك سطح الجسم كله بالهواء ، أو هو يتغلب علي السقوط بان يعمل كرقيقة هوائية فجة واي إتجاه لزيادة نسبة مساحة السطح إلي الوزن سيساعد في نمو ثنايا جلدية في زوايا المفاصل وتكون سلسلة من التدرجات الي الأجنحة المنزلقة ثم الي الأجنحة المرفرفة ، واي زيادة اكثر قليلا في الثنايا-الأجنحة سيكون فيها الفارق بين الحياة والموت .. كيف كانت بداية سم الثعبان ؟ ان كثيرا من الحيوانات تعض ، واي بصقة لحيوان تحوي بروتينات وعندما تدخل في جرح قد تسبب حساسية مؤلمة عند بعض الناس ، وثمة سلسلة متصلة متدرجة من البصقة العادية حتي السم القاتل .. كيف كانت بداية الأذن؟ إن اي مساحة من البشرة تستطيع إكتشاف الذبذبات وهذا نتاج طبيعي لحاسة اللمس ، والإنتخاب الطبيعي يستطيع تقوية ذلك لتصبح حساسة لالتقاط ذبذبات التلامس الضئيلة جدا ثم للذبذبات المنقولة في الهواء ، وسيحبذ تطور أعضاء خاصة –الأذن-تسمع لمسافات تتزايد باطراد ، وهذا ينطبق ايضا علي سماع الأصداء والي سلسلة متدرجة لماعند الخفافيش من اتقان كبير ..واحيانا يكون تاريخ الاطوار التوسطية المتدرجة مكتوبا بوضوح في شكل الحيوانات الحديثة ، بل وقد يتخذ شكل اوجه عيب صريحة في التصميم النهائي ، وهذا يمكن ان يدعم التطور بصورة اقوي بادلة من اوجه العيب اكثر مما بادلة من اوجه الكمال ، وكمثال لذلك : الأسماك التي تعيش في قاع البحر مثل سمك البليس مفلطحة في اتجاه عمودي وترقد علي جانب واحد بدلا من ان ترقد علي بطنها ، ولكن ذلك يجعل احد العينين تنظر دائما الي اسفل في الرمل فتصبح واقعيا بل فائدة ، وقد حلت هذه المشكلة اثناء التطور بتحريك العين السفلي لتدور الي الجانب الأعلي .. ونحن نري عملية التحريك بالدوران يعاد تمثيلها اثناء نمو كل سمكة صغيرة عندما تنمو الجمجمة باسلوب التفافي غريب بلا سيمترية لجعل العينين ينظران لأعلي !! وهكذا نري ان هذا العيب هو شهادة قوية علي تاريخها القديم للتغيير خطوة بخطوة .. ومثال اخر عن عدم حدوث تقدم تطوري بسبب التوسطيات غير المواتية ، والمثال يختص بشبكية أعيننا واعين كل الفقريات الأخري ، إن العصب البصري هو جذع كابل به حزمة من ثلاثة ملايين سلك معزول كل منها يوصل احدي خلايا الشبكية بالمخ ، وهي توصل المعلومات الي الكمبيوتر الموجود في المخ ، ومن المفترض ان الخلايا الضوئية تتجه الي الضوء ، بينما اسلاكها تمر من الخلف الي المخ ، لكن هذا لا يحدث في الواقع ، فالخلايا الضوئية تكون متجهه بعيدا عن الضوء بينما اسلاكها تغادرها علي الجانب الأقرب للضوء !! وعلي السلك ان يمر فوق سطح الشبكية حتي يصل الي نقطة يغوص فيها خلال ثقب في الشبكية لينضم للعصب البصري وهذا يجعل الضوء يعاني من بعض الإضعاف والتشويه وهذا فيه اساءة لإي ترتيب هندسي معقول!!
ويبقي كل ذلك صحيحاً ويندرج تحت ما يسمي بالقاعدة الذهبية ( البقاء للأصلح ) ..
يتبع