بقلم: بشــير القــزّي
تعريف التمييز العنصري:
“الاعتقاد بأن الأجناس المختلفة تمتلك خصائص أو قدرات أو صفات مميزة، خاصة لتمييزها على أنها أقل شأناً أومتفوقةعلى بعضها البعض.”
كنّا نخالُ ان التمييز العنصري يقتصر على لون البشرة الذييُميّز بين شعبٍ وآخر! إلّا ان المسألة معقّدة أكثر من ذلك وتطال أنحاء متعددة من خصائص الإنسان التي يكتسبها إمّا بالوراثة أو من البيئة التي ينشأ فيها. وإذ إن التنبّؤ بالنجاح الذي قد يناله الفردُ لاحقاً بعد ترعرعه قد يكون من الصعب التكهّن به، لأنّ فشلاً مرتقباً قد يصيب كثيرين منذ ولادتهم، وحتى قبل ان يولدوا وهم ما زالوا في أحشاء أمهاتهم!
لم تُفلح كل القوانين التي تمّ سنها عبر العقود الأخيرة، ولا حتى الأديان التي ذاع تبشيرها خلال عهود طويلة، في ان تمنع التمييز العنصري الذي ما زلنا نعيش أصداءَهُ ومفاعيله في أنحاء العالم كافة! وإذ ان ذاك التمييز متعدّد الأصول والأسباب، لا بد من التمييز بين فصائله، مع العلم ان كثيرين قد يَجمعون في تكوينه مجملةً من تلك العناصر في آنٍ معاً! وفي الوقت الذي نستعرض فيه الكائنات الحيّة التي تعيش في عالمنا، والتي قد يعيش الكثير منها على شكل قبائل، نجد ان الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يُحبّ التحكّم بمثيله وبالأخص ذاك الذي لا يتحدّر من أصوله ذاتها!
تعداد عناصر التمييز:
o من حيث الشكل:
• لون البشرة:
يعدّ لون البشرة من أهم العناصر التي فرّقت بين الشعوب وما زالت تُميّز بينها. وإذ كان كل شعب في الماضي يعيش ضمن نطاق معيّن، إلّا ان الغزوات والهجرات المتتالية خلطت بين الشعوب دون أن تمحو ذاك التباين الظاهر.
• ملامح الوجه:
وتختلف الملامح بين شعب وآخر بشكل يُسهّل التمييز بينها، وذلك انطلاقا من هيكل الوجه، الى بروز الفك، الى شكل الأنف، الى لون العينين، الى شكل الحاجبين،الى شعر الوجه، الى بروز الشفتين الى ما هنالك من صفات يكثر تعدادها ووصف تفاصيلها.
• الشَّعر:
والشَّعر بدوره يكشف عن معالم الاختلاف بين الشعوب وذلك عبر اللون الذي يتنوّع من الأشقر، الى الأرجواني، الى الكستنائي الى الأسود دون ان ننسى مدى كثافته وما إذا كان أملساً أو مموّجاً أو مجعّداً، الى جانب بعض الرجال الذين يتساقط شعرهم مع العمر. وعلى الرغم من ان تلوين الشعر وتمليسه أو تمويجه أصبحت من المداخلات التي يسهل تنفيذها، فالتأثير الذي يحدثه على حياة فردٍ ما مازال متواضعاً!
• الجسد:
كان الجسد في الماضي يلعب دوراً أكبر من الذي يقوم به اليوم من حيث القدرة العضلية التي يتفوق بها فرد ما عن غيره. إلّا ان هذا التميّز قلّ فعله بتوافر الأسلحة الحديثة التي لا تنفع معها القوى الجسدية! إلّا ان طول القامة او قصرها وسمنة الجسم او رقّته وتناسق الأعضاء فيما بينها وتغطية الشعر للجسم او انتفاء وجوده، وطريقة المشي والتنقل والتعبير وغير ذلك من الأمور تؤثر سلبا او إيجابًا على شخصية الفرد. ويجب الّا ننسى الروائح التي تفوح من الجسم والتي يعتبرها البعض عطراً بينما ينفر منها البعض الآخر!
• جنس المولود:
ما ان يُبصر المولود الجديد النور حتى نُفاجأ بسؤال يطرحه الأقرباء والأصدقاء:”ما جنس المولود؟” وذلك نابع من الاعتقاد السائد ان الذكر أفضل من الأنثى، وهذا ما لم يتغيّر حتى اليوم رغم كل القوانين التي تمّ سنها، ورغم كل الإنجازات والنجاحات التي حققتها المرأة! للأسف، رغم كل التقدم الذي تحقق خلال العقود الأخيرة، ما زالت المرأة تتقاضى راتباً يقل عمّا يتقاضاه الرجل لنفس المنصب، وذلك ينطبق حتى على البلدان التي تُعَد ُّسبّاقة في تطبيق تشريعاتها على المستوى العالمي!
• جمال المعالم
لو طلبنا من أعظم الرسامين ان يرسم لنا أجمل فتاة، شكلاً ووجهاً، في العالم لتوصّل إلى لوحة تمثّل إحدى الجميلات إلّا انها تختلف عن باقة لا متناهية من الفتيات التي قد تنبعث من نفس الشعب الذي انبثقت منه هذه الصورة. في العادة، تستقطب معالمُالصورة إعجاب الشعب الذي تتحدر منه، إلّا ان ذاك لا يعني ان هذه المعالم تُعجب بقيّة الشعوب بذات المستوى، مع الإقرار بأن بعض الجمالات الفريدة تستقطب إعجاب أكثرية الشعوب دون استثناء! والأمثال تنطبق على الفتيات والفتيان، ونجد ان الذين يتميّزون بجمال اشكالهم هم فئة تتوصّل الى مناصب قد لا يصل اليها سواهم بذات السهولة !
ولا بدّ من التنويه بالدور الذي لعبه مؤخّراً الطب التجميلي في تحسين المعالم الطبيعية التيجاء بها المرء الى عالمه…
o من حيث المركز الاجتماعي:
• المنصب الذي ينتقل بالوراثة
نجد مناصب انتقلت بالوراثة وهذا ما كان يحدث بالامبراطوريات والأنظمة الملكيّة والأميرية وغيرها.
• الغنى ووفرة المال
هي الميّزة التي تؤهّل فئة ميسورة من الناس لاستخدام أعداد من الموظفين المؤهلين، وذلك للقيام بمهام وأعمال تساعدهم على زيادة ثرواتهم.
• المنصب الذي يحصّله المرء بالسياسة
كالنجاح بالنيابة او الحصول على مركز وزاري أو عسكري او الارتقاء الى صفة رسمية كسفير او قنصل او غير ذلك، او مركز حزبي…
• التحصيل العلمي
يساعد السعي وراء العلم على نيل درجات تؤهّل لمهنٍ مميزة كالطب والهندسة والمحاماة والمحاسبة وغير ذلك.
• المهن التقنيّة
وهي المهن التي يجيد اتقانها المهني بكثرة الممارسة مع متابعة بعض الدروس العملية إذا لزم الأمر.
• الخدم في المنازل
وهم يمثّلون الدرك الأدنى من الطبقات الاجتماعية وهم يتقاضون رواتب ضئيلة بالنسبة للأعمال التي يقومون بها.
• الأديان
قد يكون وجودها مقروناً بوجود الإنسان على هذه البسيطة. مع ان الهدف من التبشير بها كان السعي من اجل الوصول الى مجتمعات اكثر عدلاً وسلاماً، إلّا ان النتيجة كانت غير ذلك وقد تسببت في مقتل الملايين من البشر ولم نصل الى مجتمع فاضل في أيّ من البلدان التي حلّت فيها!
• السياسة
توصَّلَ عبر التاريخ أفرادٌ الى السيطرة على عقول الملايين ممن تبعوا أفكارهم وانتشوا بخطاباتهم ودفعوا بأتباعهم الى القتال بحروب كبيرة شرّدت الملايين وأزهقت حياة أعداد كثيرة لا تُحصى ولا تُعد، وقد زرعوا في عقول من تبعهم انهم يقاتلون من أجل تحقيق أهداف قد لا تكون تستاهل زهق كل هذه الأرواح!
o أسباب مختلفة أخرى:
• النسب العائلي وتأثيره
نجد ان الأخ الأكبر ضمن العائلة يحظى بتقدير يفوق ما يحصل عليه إخوته، وكان انتفاء وجود وريثٍ من الذكور يحرم أياً من البنات من تولّي شأن ممتلكاتِ ومركز العائلة (كما كان يحدث في الماضي القريب لدى الإمبراطورية البريطانية)
• اللّغة
لعبت اللغة عبر التاريخ دوراً مهماً في تسهيل التعامل بين الشعوب التي تتحدّث بذات اللغة بينما أحدث اختلافُ اللغات عائقا فيما بينهم!
• الانتماء الى بقعة من الأرض
الانتماء الى بقعة من الأرض يتحدّر منها الانسان ميّزَ وما زال يميّزُ بين الشعوب وقد اعتبر البعض ان هذا التحدّر يعطيهم تفوقاً على غيرهم.
o خلاصة:
ما زال التمييز العنصري حياً في معظم البلدان وحتى في أكثرها تقدماً وادعاءً بالمساواة بالحقوق. لقد تغيّرت مفاهيمه إلّا انه زاد تعدادُ اشكاله مع التطورات التي حصلت.